0 تصويتات
بواسطة (512ألف نقاط)
تحليل قصيدة نهج البردة
شرح وتحليل أبيات نهج البردة للشاعر أحمد شوقي :

مقدمة غزلية

على نهج الشعراء السابقين افتتح شوقي قصيدته بمقدمة غزلية بديعية رائعة ، يتصور فيها محبوبته التي تتنقل كظبي حسن ورشيق ، وقد قتلته صبابة وولها .

ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم

رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا * يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم

وعظ النفس

ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى مخاطبة نفسه واعظا إياها ، ومبديا الندم على ما سبق من ذنوبه ، وذلك في أبيات كلها حكم ومعاني راسخة ، لينتقل بعدها إلى غرض وموضوع القصيدة الرئيسي ، وهو مدح خير البرية عليه أزكى الصلاة والسلام .

يا نفس دنياك تخفي كل مبكية * وإن بدا لك منها حسن مبتسم

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه * فقوّم النفس بالأخلاق تستقم

والنفس من خيرها في خير عافية * والنفس من شرّها في مرتع وخم

مدح أشرف الخلق

صلى الله عليه وسلم ، فمحمد هو سيد المرسلين المصطفى برسالة التوحيد والنبوة ، وهو صاحب الحوض المورود يوم القيامة – نسأل الله شربة من يده الشريفة – .

محمد صفوة الباري ورحمته * وبغية الله من خلق ومن نسم

وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة * متى الورود ؟ وجبريل الأمين ظمي

يقص علينا الشاعر بعد ذلك بعض علامات ومعجزات نبي الرحمة المهداة ، منها قصة الراهب بحيرى المشهورة ، وتفجر الماء بين أصابعه ، وتظليل الغمامة له .

لما رآه بحيرا قال نعرفه * بما حفظنا من الأسماء والسيم

سائل حراء وروح القدس هل علما * مصون سرّ عن الإدراك منكتم

لمّا دعا الصحب يستسقون من ظمإ * فاضت يداه من التسنيم بالسنم

وظلّلته فصارت تستظلّ به * غمامة جذبتها خيرة الديم

ويصف بعد ذلك مشهد نزول الوحي بأول آية وهي : اقرأ ، ثم ينتقل إلى الحديث عن معجزة القرآن الكريم ، بصفته الكتاب الخالد الباقي المتمم لجميع الرسالات السابقة .

ونودي اقرأ تعالى الله قائلها * لم تتّصل قبل من قيلت له بفم

جاء النبيّون بالآيات فانصرمت * وجئتنا بحكيم غير منصرم

آياته كلما طال المدى جدد * يزينهنّ جلال العتق والقدم

ينتقل الشاعر إلى الحديث عن بشائر مولده صلى الله عليه وسلم ، في الوقت الذي ساد فيه الظلم والجهل والطغيان ، ومن بشائر هذا المولد تصدع إيوان كسرى .

سرت بشائر بالهادي ومولده * في الشرق والغرب مسرى النور في الظلم

تخطّفت مهج الطاغين من عرب * وطيّرت أنفس الباغين من عجم

ريعت لها شرف الإيوان فانصدعت * من صدمة الحقّ لا من صدمة القدم

ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم

وفي أبيات تشع جمالا وبراعة ، تطرق أمير الشعراء إلى معجزة الإسراء والمعراج ، وما لحقها من آيات عظيمة .

أسرى بك الله ليلا إذ ملائكه * والرسل في المسجد الأقصى على قدم

لمّا خطرت به التفّوا بسيّدهم * كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم

صلى وراءك منهم كل ذي خطر * ومن يفز بحبيب الله يأتمم

جبت السماوات أو ما فوقهن بهم * على منورة درية اللجم

ركوبة لك من عزّ ومن شرف * لا في الجياد ولا في الأينق الرسم

مشيئة الخالق الباري وصنعته * وقدرة الله فوق الشك والتهم

حتى بلغت سماء لا يطار لها * على جناح ولا يسعى على قدم

وقيل كل نبي عند رتبته * ويا محمد هذا العرش فاستلم

خططت للدين والدنيا علومهما * يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم

يواصل شوقي في ذكر معجزات سيد الخلق ، ويصف مشهد صاحبي الغار ، وحفظ الله لرسوله وصاحبه من كيد المشركين وتتبعهما ، لينتقل بعد ذلك إلى التأدب مع صاحب البردة البوصيري ، إذ يقر بأنه لا يعارضه بقدر ما أنه مجرد تابع وسائر على نهجه .

المادحون وأرباب الهوى تبع * لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم

مديحه فيك حب خالص وهوى * وصادق الحب يملي صادق الكلم

الله يشهد أني لا أعارضه * من ذا يعارض صوب العارض العرم

وإنما أنا بعض الغابطين ومن * يغبط وليك لا يذمم ولا يلم

ويعقد مقارنة طريفة بينه وبين نبي الله عيسى عليه السلام ؛ فيقول :

أخوك عيسى دعا ميتا فقام له * وأنت أحييت أجيالا من الرمم

والجهل موت فإن أوتيت معجزة * فابعث من الجهل أو فابعث من الرجم

دفاع عن الإسلام

يتصدى الشاعر بعد ذلك إلى المعادين للإسلام والذين يكيلون له أبشع التهم ، منها أنه دين حرب انتشر بحد السيف ، موضحا أن اللجوء إلى الحرب كان آخر وسيلة بعد استنفاذ كل السبل في الدعوة والنصيحة .

ويشير إلى ما لقيه المسيحيون الأوائل من جور واضطهاد ، والذي لم يحسم إلا بالقوة ، وفي نفس الوقت يدافع عن المبدأ الإسلامي في الجهاد الذي يلتزم بقواعد الأخلاق تراعي الذمم والمواثيق .

قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا * لقتل نفس ولاجاؤوا لسفك دم

جهل وتضليل أحلام وسفسطة * فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم

والشر إن تلقه بالخير ضقت به ذرعا * وإن تلقه بالشر ينحسم

سل المسيحية الغراء كم شربت * بالصاب من شهوات الظالم الغلم

لولا حماة لها هبوا لنصرتها * بالسيف ما انتفعت بالرفق والرحم

علمتهم كل شيء يجهلون به * حتى القتال وما فيه من الذمم

وفي حديث طويل يعقد أمير الشعراء مقارنة بديعة بين حضارة الإسلام وباقي الحضارات والأمم ، مشيرا إلى تفوق شريعة الإسلام وما بنته من عدل وقيم وأخلاق ، جعلتها في صدارة الأمم علما وسيادة ومعاملات .

شريعة لك فجرت العقول بها * عن زاخر بصنوف العلم ملتطم

يلوح حول سنا التوحيد جوهرها * كالحلي للسيف أو كالوشي للعلم

نور السبيل يساس العالمون بها * تكفلت بشباب الدهر والهرم

لما اعتلت دولة الإسلام واتسعت * مشت ممالكه في نورها التمم

وعلمت أمة بالقفر نازلة * رعي القياصر بعد الشاء والنعم

كم شيد المصلحون العاملون بها * في الشرق والغرب ملكا باذخ العظم

للعلم والعدل والتمدين ما عزموا * من الأمور وما شدوا من الحزم

دار الشرائع روما كلما ذكرت * دار السلام لها ألقت يد السلم

اعتزاز وافتخار

ويفتخر الشاعر بخلفاء الإسلام ويشيد بأمجادهم ، ثم يثني على الخلفاء الراشدين مبينا فضلهم على أمة الإسلام .

ولا احتوت في طراز من قياصرها * على رشيد ومأمون ومعتصم

من الذين إذا سارت كتائبهم * تصرفوا بحدود الأرض والتخم

خلائف الله جلوا عن موازنة * فلا تقيسن أملاك الورى بهم

من في البرية كالفاروق معدلة * وكابن عبد العزيز الخاشع الحشم

وكالإمام إذا ما فض مزدحما * بمدمع في مآقي القوم مزدحم

الزاخر العذب في علم وفي أدب * والناصر الندب في حرب وفي سلم

أو كابن عفّان والقرآن في يده * يحنو عليه كما تحنو على الفطم

ويصف الشاعر بعد ذلك افتتان الناس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، وذهول عمر – رضي الله عنه – ، في حين يصور رباطة جأش أبي بكر – رضي الله عنه – وثباته ضد المرتدين .

وما بلاء أبي بكر بمتهم * بعد الجلائل في الأفعال والخدم

بالحزم والعزم حاط الدين في محن * أضلت الحلم من كهل ومحتلم

وحدن بالراشد الفاروق عن رشد * في الموت وهو يقين غير منبهم

يجادل القوم مستلا مهنده * في أعظم الرسل قدرا كيف لم يدم

لا تعذلوه إذا طاف الذهول به * مات الحبيب فضل الصب عن رغم

ختام وابتهال

وينهي الشاعر قصيدته بالصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحابته .

يا رب صل وسلم ما أردت على * نزيل عرشك خير الرسل كلهم

وصل ربي على آل له نخب * جعلت فيهم لواء البيت والحرم

وأهد خير صلاة منك أربعة * في الصحب صحبتهم مرعية الحرم

وفي خشوع وتضرع ، يرفع الشاعر ابتهالا إلى الله ، يدعو بالخير لأمة الإسلام ، في ظل التخلف والتمزق الذي تعيشه ، في حين تسير أمم أخرى نحو التقدم ، مؤمنا بقدر الله وحكمه.

من فضلك سجل دخولك أو قم بتسجيل حساب للإجابة على هذا السؤال

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
0 إجابة
سُئل أبريل 9، 2020 بواسطة مجهول
0 تصويتات
1 إجابة
سُئل نوفمبر 23، 2019 في تصنيف مناهج بواسطة Ahmed (2.8مليون نقاط)
0 تصويتات
1 إجابة
سُئل نوفمبر 13، 2019 بواسطة Ahmed (2.8مليون نقاط)
مرحبًا بك إلى حلول، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...