تحضير نص الشجرة الخضراء
مدخل مفاهيمي للنص
مفهوم الحوار
– الحوار شكل من أشكال التواصل يتناوب الكلام فيه شخصان او اكثر في موضوع معين للوصول إلى غاية ما، وهو وسيلة من وسائل التعبير عن الذات في تفاعلها مع الواقع وما قد ينجم عن هذا التفاعل من مواقف فك…رية أو اجتماعية أو وجدانية …
– الحوار حاضر في معظم اشكال الكتابة و خاصة في الأجناس السردية وهو أيضا أحد مكونات الخطاب الحكائي يستهدف كسر رتبة السرد والإيهام بواقعية الحدث وإضفاء طابع الحركة والحيوية عليه، ودفع الصراع فيه إلى النمو. وهو في الخطاب المسرحي لغة الكتابة والعرض، يختزن في أحشائه باقي مكونات السرد الأخرى.
أشكال الحوار ووظائفه في الكتابة السردية
يمكن التمييز بين شكلين من أشكال الحوار في النص السردي
– حوار مباشر يتم عبره عرض كلام الشخصية كماهو في الواقع باستخدام مؤشرات نصية (قال – يقول – خاطبه – ردت عليه) أو طباعية.
– حوار غير مباشر: يتولى فيه السارد نقل كلام الشخصيات
يؤدي الحوار كل الوظائف و الادوار التي يؤديها أي خطاب وأبرز هذه الوظائف داخل النص الحكائي:
+ الوظيفة التفسيرية: تحيط بالحدث والموقف والفضاء وتقوم بعملية الربط المنطقي بين وحدات السرد و مكوناته
+ الوظيفة الدرامية: حيث يصبح الحوار دافعا نحو التأزيم ومسهما في تدرج الحدث نحو النهاية.
الوظيفة الوصفية
يتولى فيها النص الحواري رسم ملامح الشخصيات أو الفضاء و الأشياء المرتبطة بهما
الحوار في المسرح
يرتكز المسرح أساسا على الحوار ويتشكل هذا الأخير من واجهتين
– الإرشادات المسرحية: سرد قصير يؤثث فضاء الحوار و يعبر عما لا يمكن التعبير عنه بالكلام المباشر في النص الحواري المكتوب، وتقوم مقامها في العرض المسرحي حركات الشخصيات وملامحها وردود أفعالها النفسية والحسية ومستلزمات الديكور والإكسسوارت وتقنيات الضوء والصوت وغيرها
– الكلام المتبادل بين الشخصيات (الحوار)، ويمكن التمييز فيه بين نوعين: الحوار الخارجي الثنائي dialogue
والحوار الداخلي (المناجاة) أي حوار الشخصية مع نفسها monologue.
بنية النص الحواري
نلاحظ أن يتمفصل النص الحواري إلى ثلاثة مقاطع: الافتتاحية والعرض والنهاية، ولكل مقطع تراكيب و سياقات وأوضاع،
ويختزن النص الحواري المسرحي مقومات الصراع، فيوظف لذلك أساليب الحجاج والاحتجاج والإثارة
سياق النص
القصة في عالم زكريا تامر ليست معقدة، ولا تحتاج لرؤية ناقد يشرح غموضها أويبشر برسائلها المرموزة الشفافة، إنها قصة أقرب ما تكون من روح الانسان ومعاناته، ولزكريا تامر فيها قدرة خلاقة في اللعب على أوتار الرمزية الشفافة، تلك الرمزية العميقة التي تقرأها في قصصه فتشعر كأنك ملكت الحقيقة أو اقتربت منها، غير أن شفافيته الرمزية سرعان ما تخرجك من عالم الحلم إلى عالم يثير فيك الغضب والكراهية تجاه كل القساة والظلمة والمستبدين. إنك مع موضوعات زكرياء تامر تشعر برؤية غريبة، فيها طرفة الإبداع وقوة الانفعال وتوتر اللغة وأسطرة الواقع في حكايات هي انعكاس لتجارب وخبرات، و كتابات مغايرة للصيغة التقليدية في السرد العربي تخلط بين الواقع والخيال خلطا تغيب عنه الحبكة والعقدة والحل.
وزكريا تامر من ألمع رواد القصة العربية، نشأ فقيرا، وغادر الدراسة مبكرا سنة 1944، واشتغل حدادا، غير أن ذلك لم يمنعه من إشباع نهمه للقراءة، والانقياد لهوسه بالكتابة، فألف قصصا بوأته مكانا رفيعا بين المبدعين الكبار، من أشهر مجموعاته القصصية “صهيل الجواد الأبيض” “ربيع الرماد” “الرعد” ” النمور في اليوم العاشر” و”دمشق الحرائق” التي منها هذا النص.
ملاحظة النص
العنوان مركب وصفي مبتدأ لخبر محذوف، ينفتح على أفق تاويلي شاسع تصبح فيه الشجرة معادلا موضوعيا للحياة والحلم والخصوبة والطهارة والثبات والتجذر والانتشار والحرية والعطاء، وتدل فيه الخضرة على كل ما يلتبس بايحاءات الشجرة من يفاعة وسلم وجمال ودفء وأنس وأمان. هكذا يصطرخ التركيب الوصفي بكل ما يصنع عالم الحرية و الإبداع والخلق والجمال والأحلام وغيرها من القيم التي يتوق إليها الانسان عامة، وتعمل الأنظمة العربية في واقع مترد على قتلها واستبدالها بقيم القسوة والظلم واحتقار الحياة وقتل كل ما هو جميل في الإنسان وإشاعة كل قبيح فيه وحوله. هذه الإيحاءات تتأكد في بداية النص ونهايته من خلال المفارقة العجيبة بين دلالتي الصخرة في البداية و النهاية، فهي أولا مبعث للحياة وتفجير للأمل والحلم، وهي أخيرا محضن للموت ورمز للتلاشي والاضمحلال يعلن عن رؤية للحياة تصبح فيها الأرض والجسد الإنساني امتدادين لبعضهما البعض، معرضين للاغتصاب من الجلادين، وهذا وضع واقعي يبدو مؤلما وحزينا؛ ولكن تامر يحوله بدءا من إيحاءات العنوان والرمز إلى تماه وحلول وفناء، حيث يفنى الجسد في الأرض بدماءه، وتحتوي الأرض الجسد المغتصب، و كلاهما يشكل علامة فارقة في الوقوف ضد أشكال القمع والقهر.
فهم النص
تبدأ القصة ببكاء الطفلة بسبب ضرب أمها لها، وسبب ضرب أمها لها أنها كانت تبكي، و سبب بكائها أن أمها لم تشأ أن تشتري لها ثوبا أحمر؛ لأن شراء الخبز أولى وأهم. إن بداية القصة تعلن عن عالم زكريا تامر المصور للواقع المظلم الذي يملؤه اغتصاب الإنسان وانتهاك جسده بالعنف القسوة، وقتل أحلامه بالقمع والكبت والحرمان.
– في نهاية الحكاية أجهضت أحلام رندا وطلال؛ لأنه يستحيل أن يتعايش الذين يحلمون بالسلام والحرية مع الذين يدمرون كل جميل وإنساني، خاصة إذا كان الوجه القبيح في الواقع يمتلك وسائل التدمير وأدوات القمع والانتهاك وسلطة القتل بدم بارد، بينما لا يملك رموز الجمال والسلام غير القدرة على الحلم. هكذا يرتعب طلال ورندا من رؤية منظر الدم والرصاص المنطلق دفعة واحدة من بنادق الجنود صوب رجل اعزل مدمي مقيد إلى الشجرة الخضراء، فتلوذ رندا بطلال باكية مرتجفة، فيضمها إليه، فيتحولان إلى صخرة إيذانا بانتشار القسوة والموت في حركة دائرية لولبية ما أن يشع فيها قبس من الحياة يضئ برهة حتى يخبو وتمتصه الأرض التي تظل وحدها صامدة في وجه القبح تحكي أسرارها للأجيال المقبلة.
– الحوار في النص اكتشاف جماعي لحقيقة تشغل بال الطرفين المتحاورين، وتؤسس تاريخهم و مصيرهم المشترك، ومشاركة مفتوحة على أفق غير محدود في إنتاج الدلالات وصياغة القيم وتشكيل التصورات. ويقوم الحوار في هذا النص على نوع من المفارقة تنتجها جملة من العناصر اللغوية، والذهنية المفهومية، والمرجعية المسندة إلى المكان و الزمان، والسردية المتولدة عن بنية الشخصية بما تحمله من مكونات وتناقضات، وما يصدرعنها من سلوك. وكل واحد من هذه العناصر المشكلة للمفارقة في الحوار يعد حافزا من حوافز السرد، وأهمها الفضاء والشخصية والحدث. وبخصوص العنصر الذهني المفهومي يتضح أن الحوار في النص اعتمد على مزج المنطقي و باللامنطقي، الواقعي بالخيالي مزجا جعل بنية الشخصية متوترة بسبب دورانها بين الأسطوري والعياني، ولعل اللحظة التي تتوسط هذين البعدين المتفارقين هي الأكثر حضورا، والأقدر على تأمين وصول الرسالة واضحة إلى المتلقي. فبين الخروج الأحادي من الصخرة، والالتحام الثنائي بالصخرة بما يشبه الفناء والحلول تتداعى المعاني الواشمة للواقع وشما مزدوج الإحالات، على القبح تارة ، وعلى الحلم أخرى، ومن ثم يمكن القول إن زكريا تامر استطاع أن يؤسطر الوقائع، ويؤلف بين العالمين المتنافرين تأليفا سلسا يصبح معه الحوار في النص هادفا يستجيب لتوثر الانسان بين العياني والمفارق ، وتعكس فيه رندا الإنسان الحالم المعرض لكل أشكال الانتهاك النفسي والجسدي، و يؤدي فيه طلال دور المتأقلم الباحث عن فجوة للحياة في الرداءة، عن بقايا أمل وشبه حلم لا يقوى عن الاستمرار، فجوة لا تلبث أن تنسد فيلتحق التعايش بعالم السكون والجمود والموت.
– يقوم السرد في نص زكريا تامر على الموضوعية التي تقتضي أن يكون الراوي مطلعا على كل شئ، حتى على الأفكار السرية لشخصيات سرده، وأن نرى المكان و الزمان والشخصية بعينه هو عندما ينصهرالذاتي بالموضوعي لينتج عنهما سرد تم تطويعه للدلالة على موقف من عالم حقيقي، ولكنه عالم قائم على العقلاني واللاعقلاني، نراه في اليقظة والحلم، ونحسه بالشعور واللاشعور، ونتلمسه في الواقع و المتخيل.
–