شرح قصيدة حتام تغفل
الشرح:
شرح قصيدة حتّام نغفل للشاعر جميل صدقي الزهاوي
رسالة إلى السلطان عبد الحميد
قطعة من قصيدته (ألا فانتبه للأمر حتام تغفل) في تقريع السلطان عبد الحميد، والمنشور منها في الديوان (43) بيتا، وكانت سبب دخوله السجن ثم نفيه من الأستانة (إلى بغداد !) بمرتب شهري قدره (15) ليرة عثمانية كما يذكر الهلالي (؟!)
وقد ألقى القصيدة في إحدى اجتماعات خلية صفا بك المناهضة للسلطان عبد الحميد، فألقي القبض على كل أفراد الخلية وسيقوا إلى السجن، وسأنشر في تعليق لاحق قصيدة من روائع الزهاوي في رثاء صديقه صفا بك الشاعر التركي الكبير الذي كان يجيد العربية، وكان كما يقول قد دخل معه السجن في يوم واحد في مكان واحد، وصدر بحقهم قرار النفي معا.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
حتّام نغفل
1- ألا فانتبهْ للأمرِ حتّامَ تغفلُ ؟! *** أمَا علّمَتْكَ الحالُ ما كنتَ تجهلُ
انتبه إلى الخطر الذي يحيط بك ، فإلى متى الغفلة ؟! وكأنّك لم تستفد من واقعك في معرفة ما تجهله
2- أغثْ بلداً منها نشأتَ فقدْ عدَتْ *** عليها عوادٍ للدمار تعجّلُ
أسرع لنصرة بلدك الذي ربّاك ، فلقد ألمّتْ به مصائب ستسرع في خرابه .
3- أمَا من ظهيرٍ يعضُدُ الحقَّ عزمُهُ *** فقد جعلتْ أركانُهُ تتزلزلُ
أليس هناك من نصير يساند الحقّ بقوته ؟!فأركان الحقّ بدأت تتهاوى .
4- قد استصرخت أمٌّ ربيتَ بحجرها *** وإنّك عنها غافلٌ لستَ تسأل
إنّ بلادك ربّتك كأمّك ، وهي الآن تستنجد بك ، وأنت غير مكترث بمصابها
5- رعى الله ربعاً كان بالأمس عامراً *** بأهليه وهو اليوم قفرٌ معطّلُ
حمى الله موطناً كان أمسِ مزهوّاً بأهله، وغدا اليوم خراباً خالياً من الأنس .
6- كأنّيَ بالأوطان تندب فتيةً*** عليهم إذا ضام الزمانُ المُعَوَّلُ
كأنّي أحسّ بالبلاد تستنجد بشباب عليهم الاعتماد في مواجهة محن الزمان .
7- تـعـلـل بـالآمال نفسك راجيــاً*** سلاماً لها لو كان يجدي التّعلّلُ
إنّك تؤمّل نفسك بالسلام لبلادك ، ولكن هيهات تصنع الآمال السلام.
*** - 2 - ***
8- وما رابني إلاّ غرارةُ فتيةٍ *** تؤمّــِلُ إصلاحاً ولا تتأمّلُ
إنّ أكثر ما يزعجني ويقلقني هو أولئك الفتية قليلو الخبرة الذين يرجون الخير دون أن يعملوا العقل في كيفيّة تحقيقه.
9- وما هـيَ إلاّ دولــــةٌ همجيّةٌ *** تسوسُ بما يَقضي هواها وتعمَلُ
ليست دولة العثمانيين إلاّ مثال للسفالة والرعونة ، فهي تحكم كما تريد لا كما يجب أن يكون .
10- فترفع بالإعزاز مَن كان جاهلاً *** وتُخْفض بالإذلال مَن كان يَعْقِلُ
إنّها تعزُّ الجهلة والسفهاء ، وترفع مِن قدرهم ، أمّا أصحاب الفكر ، فتعمل على النيل منهم بإذلالهم
11- فمن كان فيها أوّلٌ فهو آخرٌ *** ومن كان فيها آخراً فهو أوّل
إنها لا تضع أحداً في مكانه الصحيح ، فمن كان من حقّه الصدارة ، جعلته الأخير ، ومن كان الأخير صيرّته في الصدارة .
*** -3- ***
12- وما فئة الإصلاح إلاّ كبارقٍ*** يغرُّكَ بالقطر الذي ليس يَهطِلُ
إنّ من يدّعون الإصلاح في هذه الدولة أشبه ببرق يمرُّ دون مطر
13- إذا نزلوا أرضاً تفاقم خطبها*** كأنّهمُ فيهــــا البلاء الموكّلُ
فحيث حلّ هؤلاء تزداد المصائب ، فكأنّ المطلوب منهم هو الخراب وليس الإعمار .
14- لهم أثرٌ للجور في كلّ بلدة *** يمثّل من أطماعهم ما يمثّلُ
فلا يحلّ هؤلاء في مكان إلاّ تركوا ما يدلّ عليهم وعلى أطماعهم من ظلم .
15- فطالت إلى سوريَةٍ يدُ عسفهم ***تحمِّلُها ما لــم تكنْ تتحمَّلُ
لقد امتدت يد جورهم إلى سورية ، فذاقت منه مالا يحتمل.
*** -4- ***
16- وسـل عـنهم القطر اليماني إنه *** يبوح بما يعرو البلاد وينزلُ
ولو سألت أهل اليمن لأ خبروك بما أصا بهم من ّ بطش على أيدي هؤلاءالمجرمين .
17- وجـازعـة عـبرى لقتل حليلها *** ووالدة تبكي بنيها وتعولُ
فكم من مفجوعةٍ فقدت صبرها لفقد زوجها ، وكم من أمٍّ ثكلى بابنها ازداد نوحها عليه وعويلها.
18- ولـجتم طريق العنف تستنهجونه*** أَمَا عَن طَريق العنف يا قوم معدل
لقد سلكتم درب الإجرام ، واتّخذتموه نهجاً ، فهل من سبيل للعدول عن هذا الخطّ الإجرامي ؟
19- فَـيا ويح قوم فوضوا أَمر نفسهم ***إلـى مـلك عن فعله ليس يسأل
الويل لقوم سلّموا زمام أمرهم لحاكم يتصرّف بما يشاء دون مراقب أو محاسب .
20- أَيـأمـر ظل اللَه في أَرضه بما *** نـهـى اللَه عنه والكتاب المنزّل
إنّ هذا الحاكم الجائر يعتبر نفسه ممثّل الله على الأرض ، ولكنّه يعمل بما يخالف كتاب الله
21- فـيـفـقـر ذا مال وينفي مبرءا*** ويـسـجن مظلوماً ويسبي ويقتل
فيجعل الغنيّ فقيراً ويحكم على البريْ والمظلوم بالنفي والسجن ، ويمعن في التشريد والقتل .
22- وكم نبغتْ فيها رجالٌ أفاضلٌ *** فلمّا دهاها العسفُ عنها ترحّلوا
وما أكثر الرجال الأفذاذ الشرفاء الذين لم يرضوا بالظلم ؛ فكان مصيرهم الطرد من بلادهم
*** -4 - ***
23- وبغداد دار العلم قد أصبحتْ بهم *** يهدّدها داءٌ من الجهلِ مُعْضِلُ
وهذه بغداد منبع العلم غدت بسبب هؤلاء الظالمين عرضة لجهلٍ مطبق.
24- شريفٌ يُنَحّى عن مواطن عزِّهِ*** وآخرُ حــرٌّ بالحديد يُكبَّلُ
إنّ مصير الإنسان الشريف المخلص إمّا الإبعاد عن وطنه وحمى كبريائه ،أو يودع بالسجون مكبّلا
25- إذا سكتَ الإنسان فالهمُّ والأسى ***وإنْ هوَ لم يسكت فموتٌ مُعجَّلُ
والمرء على هذا الحال من الظلم إمّا أن يسكت متحمّلاً الحزن والحسرة ، وإمّا الموت المحتّم إذا ما احتج ، أو اعترض .