سماحة الإسلام
إن السماحة التي تعني: المساهلة واللين في المعاملات، والعطاء بلا حدود، ودونما انتظار مقابل، أو حاجة إلى جزاء..
إن هذه السماحة - في النسق الإسلامي - ليست مجرد كلمة تقال، ولا شعار يُرفع، ولا حتى صياغة نظرية تأملية ومجردة، كما أنها ليست فضيلة إنسانية، يمنحها حاكم ويمنعها آخر.. وإنما هي دين مقدس، ووحي إلهي.. وبيان لهذا الوحي الإلهي.. وتجسيد وتطبيق لهذا الدين في دولة النبوة (1-11 هـ / 622-632م) وفي دولة الخلافة الراشدة (11-41 هـ / 632-661م).. وفي التاريخ الحضاري للشرق الإسلامي منذ ما قبل أربعة عشر قرنًا، وحتى هذه اللحظات..
بل، لأن السماحة هي ثمرة الدين الخالد والشريعة الخاتمة، فإنها ستظل منهاجًا للإسلام والمسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
ففي الوقت الذى فهم فيه غير المسلمين دين الإسلام فهمًا خاطئًا، وتوهم كثير منهم أنه دين عنف وتشدد، وأن فيه بعض التعاليم التي التبست عليهم أو توهموا أن بها تشددًا، وزعموا أن بعض الذين مارسوا بعض صور التشدد والإرهاب هم نموذج للمسلمين.. في هذا الوقت الراهن لم يروا الإسلام - عبر عصور تاريخه الزاهر - عندما كان يتسع للتعددية الدينية، والآراء المذهبية، وكانت سماحته في معاملة غير المسلمين من أهم الأسباب التي جعلت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، ولم يغلق الإسلام أبوابه في وجه غير المسلمين، بل إنه تعاون مع الجميع، واشتملت رسالته - ومصادرها من الكتاب والسنة والإجماع - على كل ما فيه خير ومصلحة للناس أجمعين
بل إن رب العزة سبحانه وتعالى حين لخص دعوة رسول الله وبين سبب بعثته وإرساله للناس كافة، بَيَّن أنه إنما أرسله ليكون برسالته وبعثته رحمة للعالمين، حيث قال الله تعالى مخاطبًا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
وقد جعل الله في القرآن ضوابط للدعوة إلى الإسلام فقال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29].
وأيضًا جعل الله العفو والصفح سبيلًا إلى مغفرة الله فقال تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22].
إن مظاهر السماحه في الإسلام لمتعددة فمنها ما هو في العبادات ومنها ما هو في الأخلاق ومنها ما هو في المعاملات، وتعددت أيضًا من وجه آخر؛ فكان منها ما هو بين المسلمين بعضهم البعض، ومنها ما كان بين المسلمين وغير المسلمين، وأيضًا منها ما كان بين السادة والعبيد - الرقيق -.
ولعموم الفائدة نستعرض في المقالات القادمة بعض مظاهر تلك السماحة.