شرح وتحليل قصيدة البردة للبوصيري
من هو البوصيري صاحب البردة ؟
هو محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري ، ولد بقرية دلاص بمصر سنة 608 هـ لأسرة تنحدر من قبيلة صنهاجة التي استوطنت الصحراء جنوبي المغرب الأقصى ، ونشأ بقرية بوصير القريبة من مسقط رأسه ، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب.
تحليل وشرح أبيات قصيدة البردة للبوصيري
تنقسم قصيدة البردة إلى عشرة فصول ندرجها كالآتي :
الفصل الأول : في ذكر عشق رسول الله.
يبتدأ البوصيري قصيدته بمقدمة غزلية على عكس باقي الشعراء ، فهو لم يتغن بمحاسن محبوبته أو هجرها له ، وإنما نراه يشكوا آلام غرام من نوع خاص ، وعن لائميه في حبه العذري ، والوشاة الكاشفين لسره مهما بالغ في كتمانه.
كذلك نراه يردد أسماء مواضع حجازية ونجدية ، مثل ذي سلم وكاظمة وإضم ، وكل ذلك دليل على أن هذه المقدمة الغزلية إنما هي تعبير رمزي لحبه للرسول – صلى الله عليه وسلم – وشوقه لزيارته.
أمن تذكر جيران بذى سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم"
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة * وأومض البرق في الظلماء من إضم"
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا * وما لقلبك إن قلت استفق يهم"
إني اتهمت نصيح الشيب في عذلي * والشيب أبعد في نصح عن التهم"
الفصل الثاني : في منع هوى النفس.
يتحدث البوصيري في هذا الفصل عن النفس الأمارة بالسوء ، والتحذير من الانقياد لهواها وشهواتها ، فهي كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم ، وترددت خلالها عبارات أصبحت من الحكم الجارية على الألسنة ، مثل قوله :
– إن الطعام يقوي شهوة النهم.
– إن الهوى ما تولى يُصْمِ أو يَصُمِ.
– فرب مخمصة شر من التخم.
فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت * من جهلها بنذير الشيب والهرم"
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى * ضيف ألم برأسي غير محتشم"
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها * إن الطعام يقوي شهوة النهم"
والنفس كالطفل إن تهمله شب على * حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم"
فاصرف هواها وحاذر أن توليه * إن الهوى ما تولى يصم أو يصم"
الفصل الثالث : في مدح الرسول الكريم.
خصص الشاعر هذا الفصل في مدح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، حيث تحدث عن زهده مع ما عرض عليه من كنوز الأرض ، وعن كمال شمائله واصطفاء الله تعالى له.
ثم يذكر أنه سيد الكونين ( السماء والأرض ) ، والثقلين ( الإنس والجن ) ، والجنسين ( العرب والعجم ) ، وهو حبيب الله وصاحب الشفاعة يوم الحساب ، ورقي مرتبته بين سائر الأنبياء.
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى * أن اشتكت قدماه الضر من ورم"
وراودته الجبال الشم من ذهب * عن نفسه فأراها أيما شمم"
وأكدت زهده فيها ضرورته * إن الضرورة لا تعدو على العصم"
محمد سيد الكونين والثقلين * والفريقين من عرب ومن عجم"
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته * لكل هول من الأهوال مقتحم"
دعا إلى الله فالمستمسكون به * مستمسكون بحبل غير منفصم"
فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم ولا كرم"
وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم"
الفصل الرابع : في مولد المصطفى.
في هذا الفصل يتحدث عن مولده ( عليه الصلاة والسلام ) وما صاحبه من بشائر ، حتى بدا وكأن الكون كله يحتفل بهذا المولد في نشوة وطرب ، ومن هذه البشائر تصدع إيوان كسرى ، وخمود نار المجوس ، وجفاف بحيرة ساوة ، وتعم الفرحة أرجاء الكون والسماء.
أبان مولده عن طيب عنصره * يا طيب مبتدأ منه ومختتم"
يوم تفرس فيه الفرس أنهم * قد أنذروا بحلول البؤس والنقم"
وبات إيوان كسرى وهو منصدع * كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم"
والنار خامدة الأنفاس من أسف * عليه والنهر ساهي العين من سدم"
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها * ورد واردها بالغيظ حين ظمي"
كأن بالنار ما بالماء من بلل * حزنا وبالماء ما بالنار من ضرم"
والجن تهتف والأنوار ساطعة * والحق يظهر من معنى ومن كلم"