تحليل قصيدة مجد العرب لمحمد توفيق
على منصت الداعم الناجح يسرنا أن نقدم لكم تحليل قصيدة مجد العرب لمحمد توفيق
إليكم القصيدة وشرحها
كَفاكَ يا طَيرُ شَدواً هِجتَ بي طَرَبا \ أما تَراني حَزينَ القَلبِ مُكتَئِبا
لَو كُنتَ مِثلِيَ مَقصوصَ الجَناحِ لَما \ شَدَوتَ بَل كُنتَ تَلقى الوَيلَ وَالحَرَبا
فَطِر كَما شِئتَ مِن غُصنٍ إِلى غُصُنٍ \ حُرّاً وَدَعني أَسيراً أَشتَكي النُوَبا
نَفسي تَتوقُ إِلى العَلياءِ إِذ عَلِمَت \ أَنّي اِمرؤٌ وَرِثَت أَخلاقُهُ العَرَبا
سَلوا القُرونَ الخَوالي عَن مَفاخِرِنا \ سَلوا الرِماحَ سَلوا الهِندِيَّةَ القُضُبا
سَلوا الزَمانَ الَّذي كانَت تَتيهُ بِنا \ فيهِ المَعالي وَكُنّا السادَةَ النُجُبا
وَكانَ فارِسُنا إِن جالَ جَولَتَهُ \ في نُصرَةِ الحَقِّ رَدَّ الجَحفَلَ اللَجِبا
إِن صاحَ طَبَّقَت الآفاقَ صَيحَتُهُ \ وَاِهتَزَّت الأَرضُ وَالأَفلاكُ إِن ضَرَبا
كَتائِبٌ تَتَرامى في حَمِيَّتِها \ إلى الرَدى لا تَرى جُبناً وَلا هَرَبا
فَجاءَنا زَمَنٌ صِرنا بِهِ خَدَما \ لِغَيرِنا وَغَدَت أَرواحُنا سَلَبا
وَأَصبَحَ الشَرقُ لا تَحلو مَوارِدُهُ \ لِأَهلِهِ وَيَراها غَيرُنا ضَرَبا
لَو أَنَّ لِلشَرقِ رُوحاً أَو لَهُ كَبِداً \ تَرِقُّ بثَّ أَسى شَكواهُ وَاِنتَحَبا
يا لَيتَ شِعريَ وَالأَغلالُ في عُنُقي \ وَالنُحسُ يَتبَعُ حَظي أَينَما اِنقَلَبا
أَمانِعي القَوم أَنّي أَشتَكي زَمَني \ كَلّا وَلَو مَزَّقوني بَينَهُم إِرَبا
أَنا اِمرُؤ في صَميمِ الذُلِّ مَرتَبَتي \ مِن مِصرَ لا نَبَطاً قَومي وَلا جَلَبا
يا وَيحَ لِلدَهرِ يَلهو بي وَيَلعَبُ بي \ أَبَعدَما شابَ يَبغي اللَهوَ وَاللَعِبا
تحليل القصيدة:
حمل شعر إحياء النموذج على عاتقه مهمة إحياء القصيدة القديمة، وإنقاذها من الجمود الذي ميزها في عصور الانحطاط الفكري والأدبي، وعاد شعراؤها يطلبون النماذج الشعرية لفحول الشعراء ناظمين على شاكلتها بناءً وإيقاعا ولغة وتصويرا قصائد وازنة في الذروة العليا من البلاغة. ويعد محمد توفيق من رواد هذا الاتجاه في الشعر العربي. فإلى أي حد تمثل القصيدة موضوع الدرس التيار الذي تنتمي إليه؟
اعتمادا على شكل القصيدة ، واسم الشاعر، وبعض المشيرات الدالة ( حزين القلب، سلوا القرون الخوالي، جال جولته، صرنا به خدما..)، نفتراض أن القصيدة تنضوي تحت خطاب إحياء النموذج، تدور رحاها حول الفخر بماضي الأمة والتحسّر على حاضرها. فما مقصدية الشاعر؟
يبدأ الشاعر قصيدته بمقدمة عاطفية يصف فيها اكساره ومعاناته، لينتقل بعدها إلى التحسر على مجد العرب الذي آل إلى الذل، مما خلف في نفس شاعرنا حرقة ومرارة مسرفة. وينهي قصيدته بأبيات في الحكمة تعكس خلاصة تجربته في الحياة وتقلباتها.
يسير الشاعر على طريقة القدماء في بناء مضمون قصيدته، فغرض الفخر والتحسر على الماضي قديم في الشعر العربي.
يتجاور في القصيدة حقلان دلاليان ، يتفاوتان طولا وقصرا هما: حقل المجد وحقل المعاناة، والعلاقة بينهما ( سببية) ، ذلك أنّ حقل المعاناة هو السبب في لجوء الشاعر إلى الفخر للتعويض النفسي، وقد تضافر الحقلان في التعبير عن واقع الشاعر النفسي.
اتسمت ألفاظ القصيدة بقوة الجرس والصلابة، وهي لغة تؤكد محافظة الشاعر على تقاليد القصيدة القديمة .
بنيت القصيدة بناء عموديا تقليديا، واختار الشاعر بحر البسيط الذي يمتاز بطول نفسه الذي يتماشى مع غرضي الفخر والتحسر، وجاءت القافية مطردة تسير على نسق واحد (مكتئبا: -0---0) وهو ما منح لنهاية الأبيات نظاما إيقاعيا، وفيما يخص الروي فقد جاء بدوره موحدا يعكس نفسية الشاعر التواقة إلى البوح وإخراج معاناتها، ونشير أيضا إلى التصريع في البيت الأول التي منحت للمطلع تماثلا إيقاعيا، أما الإيقاع الداخلي فقد تمثل في التكرار بأنواعه المختلفة، سواء تكرار الصوامت ( الباء، السين..) وتكرار الصوائت (الكسرة، ألف المد، الفتحة) هذا إلى جانب التكرار اللفظي (الشرق، سلوا، أشتكي) دون أن ننسى التكرار العروضي المتمثل في تكرار الوزن والقافية والروي، ولا شك ان التكرار منح القصيدة تلوينا إيقاعيا زاد من فاعليتها الصوتية الدالة على الحماسة المقرونة بالتحسر، ونشير أيضا إلى حضور التوزاي النسبي في البيتين الخامس والسادس:
سلوا القرون \ سلوا الزمان
وما أضافه من قيمة إيقاعية أسهمت في الرفع من منسوب القصيدة الصوتي.
حافظ الشاعر على البنية الإيقاعية القديمة القائمة على نظام الشطرين والبحر الشعري والقافية الموحدة.
يزخر النص بالاستعارات الدالة، ومنها قول الشاعر: ( يا طيرُ، سلوا القرون)، وقد عبرت عن معاناة الشاعر جراء ما آل إليه وضع العرب.، وهي صور ذات وظيفة تعبيرية، تشخيصية، جمالية.
يستقي الشاعر صوره من الذاكرة الشعرية، ويسير في بنائها على طريقة القدماء.
زاوج الشاعر بين الخبر الذي استغله لرصد واقع العرب بين الأمس واليوم، والإنشاء الذي كان معبرا عن انفعاله ومعاناته ( سلوا القرون)،وكان ضمير الجمع هو المهيمن لكون القصيدة تعبيرا عن حال الجماعة.. أما الأفعال فقد كان لها الانتشار الذي عكس غليانا داخليا مما منح القصيدة دينامية وحركية تتماشى مع غرضها.
عمل الشاعر في قصيدته على الفخر بماضي العرب والتحسر على واقعهم الذي آل إلى الذل والتبعية، قاصدا إلى المقارنة بين الأمس واليوم وأخذ العبر ولدروس، ووظف لهاته الغاية حقلين دلاليين، وصورا شعرية ، وإيقاعا متناغما، وزاوج بين الخبر والإنشاء. ونخلص في النهاية إلى إثبات انتماء النص إلى تيار إحياء النموذج.
سار الشاعر في قصيدته على طريقة القدماء، معتمدا في بنائها على غرضي الفخر والتحسر على الماضي، وهما غرضان قديمان، كما بناها بناء تقليديا معتمدا على بحر خليلي وقافية موحدة، واستقى صوره من الذاكرة الشعرية ، وجاءت لغة القصيدة على قدر من قوة السبك وفخامة الجرس، مما يؤكد تمثيل القصيدة لتيار إحياء النموذج.