"رسالة الطير" لأبى حامد الغزالى، و"رسالة الطير" لابن سينا و"مثوية سنائى" و"رسالة الغفران" لأبى العلاء المعرى، كل هذه وغيرها الكثير فى الثقافة الإسلامية مثلت فتحا فى الكتابة الرمزية، وفريد الدين العطار هو ثالث أعلام التصوف الفارسى بعد سنائى الغزنوى وجلال الدين الرومى، ومؤلفاته
فى القرن الثانى عشر جمع فريد الدين فى قصته "منطق الطير" الطيور لتقوم برحلة صوب الطائر الأكمل والأجمل والسلطان المطلق والمسمى "السيمرغ" وهو فى الفارسية مثل "العنقاء" فى العربية، واختارت الطيور الهدهد ليكون رئيسا لهم ومرشدا، فطفقت الطيور تقدم التبريرات المختلفة حتى لا تتكبد مشاق الرحلة وبعضها راحت تسأل عن الطريق شتى الأسئلة، والهدهد يجيب عن كل هذا ويفند كل الأوهام ويحثهم للتخلى عن كل العلائق والمضى نحو عشق الأكمل من خلال المواعظ والقصص المختلفة ويخبرهم عن الأودية التى سيمرون بها وادى الطلب ثم العشق ثم المعرفة ثم الاستغناء ثم التوحيد ثم الحيرة وأخيرا الفناء والبقاء، وهكذا انطلقوا جميعا وتكبدوا المشاق على أنواعها ومات من مات حتى وصل ثلاثون طائرا إلى الحضرة ليرفع الحجاب ويكتشفوا أن السيمرغ لم يكن إلا انعكاسا لصورتهم.
جاءت هذه القصة الشعرية فى 4500 بيت نظمها العطار على لسان الطيور يحكى فيها عن الفكر الصوفى الحلولى وعن أسئلة قلقة أو غير قلقة حول الوجود والكينونة، فى خط صوفى بحت يضعك أمام نفسك الأنقى.
الغاية من هذه الحكاية الشعرية المفعمة بالنفس الصوفى القوي تأتى فى الرحلة نفسها وفى النهاية فكم كانت الحياة صعبة دون ملك بالنسبة لهذه الطيور حتى اكتشفوا بنهاية بحثهم أن ما يبحثون عنه فى أنفسهم ولا هيئة نهائية له فهو فى الحقيقة تفانيهم الروحى فى الوصول إلى العشق الإلهى، وما كان يؤخرهم عن الوصول لحقيقته هو فهمهم الثنائى لمعنى إله الطيور وجهلهم بطريقة عشقه الصحيحة، فعندما يدركون معنى الثنائية المنصهرة مع معشوقهم يبدأ معنى التوحيد فى الترسخ فى داخلهم.
جدير بالذكر أن فريد الدين العطار ولد فى نيسابور سنة 513 هـ، ولقد عرف فريد الدين بالعطار لأنه كان يعمل فى العطارة وهى مهنة و"العطار" تأثر الى حد كبير بحجة الإسلام أبى حامد الغزالى، ما يجعل من المفترض أنه كان شافعياً من ناحية المذهب. وفى الوقت نفسه معروف أن فريد الدين درس الطب والصيدلة وعلم الكلام، كما قرأ سير الشيوخ الذين سبقوه.