درس النصوص: قوانين الكلام الأدبي
أولا:عتبة القراءة
1- ملاحظة النص و استكشافه
أ – العنوان: قوانين الكلام الأدبي
+ تركيبيا : يتألف من مركب إضافي :[مضاف (قوانين) + مضاف إليه (الكلام)]،ومركب وصفي [موصوف (الكلام) + صفة (الأدبي)].
+ دلاليا: يحيل على جانب من التنظير الذي يسعى إلى وضع ضوابط الكلام الأدبي بنوعيه الشعري و النثري.
ب - نوعية النص: انطلاقا من عبارة الافتتاح (حدث أبو عامر قال:) يمكن اعتبار النص خبرا.
ج – طبيعة متن النص:يزاوج متن الخبر بين الكلام النثري و الشعري.
د - بداية النص و نهايته:
+ بداية النص:تخبرنا بأن أبا عامر كان يجالس رجلا قرطبيا يحدثه عن الكلام في حضور تلميذه النجيب يوسف بن إسحاق.
+ نهاية النص:تخبرنا بأن حضور يوسف بن إسحاق كان متميزا باعتراف القرطبي بتفوق شعر التلميذ على شعره .
2- بناء فرضيات القراءة
بناء على العنوان و بداية النص و نهايته نفترض أن موضوعه يتناول :
- الإخبار بلقاء أبي عامر بالرجل القرطبي و مجالسته لمقاربة ضوابط الكلام .
- مشاركة التلميذ يوسف بن إسحاق في المحادثة الأدبية.
- تفوق التلميذ على القرطبي في الشعر دليل على نجابته و كفاءة أستاذه.
ثانيا : القراءة التوجيهية
معجم الأعلام :
+ أبو عامر:ابن شهيد الشاعر و الأديب الأندلسي صاحب رسالة "التوابع و الزوابع".
+ ابن الأفليلي:أبو القاسم الأديب و الناقد الأندلسي، عاش في القرن الخامس الهجري.
شرح المستغلقات:
*المخابر:ج.ما يدرك بالاختبار *التمست: طلبت *نكب عنها: عدل عنها *بانوا: هجروا *يراح غصن: يكتسي ورقا *خفاتا: فجأة *كروب: ج.كربة: حُزْن وغَمّ يأخُذ بالنَّفْس *ضاع عبقه: فاحت رائحته *وحشي الكلام: غريبه *تنكب: ترك *أدرب:أكثر دربة و تجربة.
الفكرة العامة:الإخبار بتدريب الناشئة و المتعلمين على حسن الكلام و الإجادة فيه،و رأي الأستاذ العالم في قوانين الكلام .
ثالثا:القراءة التحليلية
1- بناء النص و عناصره
أ – المعجم الدال على قوانين الكلام الأدبي:
القوانين الخاصة ب:
المعجم الدال عليها
الحروف
إن للحروف أنسابا و قرابات – تبدو في الكلمات – جاور النسيب النسيب –مازج القريب القريب.
الألفاظ
طابت الألفة – حسنت الصحبة - مليح اللفظ ...
علاقة اللفظ باللفظ
ركبت صور الكلام – حسنت المناظر – طابت المخابر – العذوبة – الفصاحة...
استعمال الغريب
فصيح الغريب – أستعمل وحشي الكلام في مواضعه – تنكب هذا الكلام – إن أبا عامر يستعمله – يضعه في موضعه – هو أدرب منك في استعماله.
الكلام
ركبت صور الكلام – حسنت المناظر – طابت المخابر – العذوبة – الفصاحة - رشيق الكلام – مليح النحو.
ب – بنية النص:
يتضمن النص بنيتين،الأولى سردية خبرية ،و الثانية حجاجية استدلالية.
+ البنية السردية الخبرية:تتكون من حدث موضوعه تعليم أبي عامر الرجل القرطبي الإجادة في الكلام.
+ البنية الحجاجية الاستدلالية:يمثلها الحوار الدائر في الجلسة الأدبية حول ضوابط الكلام.
ج – عناصر البنية السردية الخبرية:
موضوع الخبر
ضوابط الكلام الأدبي
شخصيات الحوار في الخبر
أبو عامر – التلميذ يوسف بن إسحاق – الرجل القرطبي – ابن الإفليلي.
مكان الخبر
مجلس أبي عامر
زمان الخبر
عام: القرن الخامس الهجري / خاص:زمن محاورة أبي عامر للرجل القرطبي.
غاية الخبر
نقل رأي أبي عامر في قوانين الكلام الأدبي .
د – عناصر البنية الحجاجية الاستدلالية:
+ الحوار بنية تواصلية تحقق الحجاج في النص الخبري،و تقتضي طرفين على الأقل،و هو ما حصل في النص بين ابي عامر و الرجل القرطبي.
+ الاستشهاد بالأبيات الشعرية و التمثيل بها في توضيح رأي أبي عامر في الكلام الأدبي.
+ الاستشهاد بتجربة يوسف بن إسحاق في تتلمذه على يد العالم أبي عامر.
2- لغة النص و بلاغته:
أ – لغة النص:لا شك أن لغة هذا النص الخبري، تتسم بالموضوعية،وتمزج بين التقريرية و الحجاجية في تبليغ موضوع الخبر،و ذلك في قالب إبداعي فني.
ب – بلاغة النص:توسل أبو عامر في نقل رأيه إلى المتلقي بخصوص قوانين الكلام الأدبي ببلاغتين:بلاغة الإمتاع و بلاغة الإقناع.
+ بلاغة الإمتاع:تقوم في النص الإخباري على تصوير الحدث تصويرا فنيا،يتمظهر في الصور التالية:
· التكرار:تكررت الأسماء(النسيب – القريب – الكلام –التلميذ - مليح ) و الأفعال ( حسنت – طابت - تختار - عرض ) و عبارة التأكيد مع القسم (إي و الله) و هذا التكرار يضفي جمالية على النص و يعمل على تأكيد المعاني.
· الصورة المجازية : "و لم يزل يتدرب باختلافه إلي حتى ندي تربه،و طلع عشبه،ثم تفتح زهره،و ضاع عبقه"،تعبر هذه الصورة عن كفاءة العالم أبي عامر في تعليم تلميذه يوسف ابن إسحاق الذي ساعد أستاذه باجتهاده و مثابرته حتى تفقه على يديه.
· السجع:و هو توافق فقرتين أو أكثر في الحرف الأخير،و أمثلته في النص:(جاوز النسيب النسيب،قارب القريب القريب) – (طابت الألفة،و حسنت الصحبة) – (حسنت المناظر،و طابت المخابر) – (للعذوبة إذا طلبت،و الفصاحة إذا التمست).و السجع ما نرى قد زان النص بجماليته و أضفى عليه رونقا تستسيغه الأذن.
· التقابل في المعنى: من طلب بها أدرك، و من نكب عنها قصر – تختار مليح النحو،وفصيح الغريب،و تهرب عن قبيحه.
+ بلاغة الإقناع: نعلم أن مقصد إقناع الآخر بالرأي موضوع القول أو النص ،يستلزم فعالية لغوية و منطقية،تنظم الخطاب بطريقة خاصة،تؤثر في المخاطب،و تجعله يعيد النظر في ما يحمله من أفكار.و هذا ما يميز النص موضوع الدرس.و يمكن رصد تجليات بلاغة الإمتاع فيه كما يلي:
· ترتيب رأي أبي عامر بشكل يحمل المخاطب ( الرجل القرطبي) على قبوله و الإقرار به ،بمقتضى الثقة التي يشرع هذا الأخير في وضعها في العالم.
· الاستشهاد بأبيات شعرية من عيون كلام أحد الشعراء، لتذوق لذة الكلام والتماس عذوبته و فصاحته.
· توظيف الحوار كسياق تواصلي يشترك فيه كل من المتكلم و المخاطب،و يحشد فيه كل طرف رأيه.
3- مقاصد النص و أبعاده:
أ – القصد ألحجاجي في الخبر:يقصد الخبر الاستدلال عن رأي أبي عامر في قوانين الكلام الأدبي،والتأثير في المخاطب (الرجل القرطبي) لإقناعه بالرأي من جهة وبأهمية الانضباط لقوانين الكلام.
ب- البعد الأدبي في النص الإخباري: بالنظر إلى موضوع النص الخبري، يحيل على البعد الأدبي،باعتبار أن الكلام إبداعا و تنظيرا ينصهر في بوتقة الأدب.
ج- البعد الفني في النص الإخباري:إن ما استخرجناه سابقا من صور بلاغة الإمتاع شاهد على البعد الفني و الجمالي الذي يميز متن النص الخبري.
د – البعد التعليمي في النص الإخباري:يحمل الخبر بعدا تعليميا تعبر عنه المشيرات النصية التالية:أفهمت؟ - أتفهم شيئا من عيون كلام القائل...؟- أرجو أنك تنسمت شيئا من نسيم الفهم- كان ذلك التلميذ ساكتا يعي ما يقول – جاء التلميذ فأنشدني – استعمل شيئا منه و عرضه علي.
رابعا:القراءة التركيبية
ينظر النص للكلام الأدبي من خلال الخبر الذي قدمه أبو عامر،حيث يعرض رأيه بخصوص قوانينه و الضوابط التي يخضع لها لغاية إمتاع و إقناع المتلقي، و قد اتخذ الحوار بينه و بين الرجل القرطبي قناة تعبيرية تواصلية لنقل موقفه،إذ يرى أن حسن انتقاء الحروف و الكلمات،و تقاربها،من شأنه أن يركب صور الكلام ،جميلة المناظر،و طيبة المخابر،أما الفصاحة و الرشاقة و العذوبة،فلا تزيد الكلام إلا رونقا يمتع المتلقي، و حمولة دلالية توسع مداركه.
و النص قد تضمن بنيتين،سردية خبرية تناولت موضوع حدث تعليم أبي عامر للرجل القرطبي الإجادة في الكلام،واستدلالية حجاجية تجسدت في الحوار الدائر بينهما حول قوانين الكلام الأدبي،أما على المستوى البلاغي ،فقد زاوج المتن الخبري بين بلاغة الإمتاع من خلال صور التكرار و المجاز و السجع و التقابل في المعنى،و بلاغة الإقناع من خلال ترتيب عناصر الرأي المعبر عنه،و الاستشهاد بالشعر للتوضيح و التمثيل،فضلا عن توظيف الحوار كسياق تواصلي يوثق الثقة بين المتكلم و المخاطب.
و بالنظر إلى القصد الحجاجي،فيقصد الخبر الاستدلال عن رأي أبي عامر في قوانين الكلام الأدبي،والتأثير في الرجل القرطبي لإقناعه بالرأي من جهة، وبأهمية الانضباط لقواعد الكلام من جهة أخرى. في حين أن أبعاد النص الخبري،فهي أدبية من حيث الموضوع،و فنية من حيث الصور البلاغية الإمتاعية و الإقناعية،ثم تعليمية من حيث المشيرات اللغوية و الدلالية المتضمنة في متن الخبر.