موضوع عن ايليا ابو ماضي
موضوع عن ايلي ابو ماضي ....
مقدمة
" أمير شعراء المهجر" "رسول الشعر العربي الحديث" "... ولعل الشاعر نفسه آنس الضعف في لغته، ولعله حاول أن يصلحه فلفم يستطع، ولعله لما استيأس من هذا الإصلاح لم يجد بدا من أن يتخذ هذا الضعف مذهبا...!!" هل يخطر ببال القارئ إن مثل هذه الآراء صدرت في الشاعر نفسه، أجل هذا بعض ما قيل في شاعرنا الكبير، كبير بدون شك، ايليا أبو ماضي.
وأعتقد بصدق أن أبا ماضي وأترابه من المهجريين شكلوا نقطة تحول مهمة في تاريخ مسارنا الشعري وعملوا على تغيير وجهة مصير الشعر العربي فهم رواد حركة الحداثة الشعرية وطلائعها المتقدمة.
صحيح أن لغته لم تسعفه دائما ولكن لم تخنه إلى الحد الذي يسمح لعميد الأدب العربي طه حسين بالزعم أن أبا ماضي اتخذ من الضعف مذهبا!! فما أبعد شاعرنا عن أن يكون كذلك.
ومهما يكن من أمر فقد حاولت هذه الدراسة التي اهتمت بايليا أبو ماضي إنسانا وشاعرا الجمع بين الشمول والتركيز والدقة من جهة والتوفيق بين البحث العلمي وما يتطلبه القارئ من جهة ثانية.
وتسهيلا على القارئ أنهيت هذا البحث بمختارات من نتاج أبي ماضي تسهل لمن يشاء الربط بين ما قيل حول هذا النتاج وبين النتاج نفسه إكمالا للفائدة.
مولده ووفاته:
ولد ايليا أبو ماضي في بلدة المحيدثة القريبة من بكفيا في قضاء المتن الشمالي في جبل لبنان. وقد اختلف الباحثون في تحديد سنة ولادته. وربما لم يكن هو نفسه يرغب كثيرا في الحديث عن حياته خاصة في بداياتها الأولى لما عرفه من بؤس وشقاء وتشرد وهجرة وبحث عن لقمة العيش لذلك اختلف الرواة والباحثون في تحديد سنة ولادته فذكروا سنة 1883، 1889، 1890، 1891، 1892.
فالزر كلي وداغر يجعلان ميلاده 1889 وخوري يجعلها سنة 1891، ومهما يكن من أمر وإذا كان من المرجع انه غادر لبنان إلى مصر في الحادية عشرة من عمره وأنه فعل ذلك إما عام 1890 أو عام 1891 ليتوفى بعد ذلك في بروكلن في الولايات المتحدة الأمريكية في 23/11/1957.
حياته:
يقول ايليا أبو ماضي في رسالة بعثها إلى عيسى الناعوري: أما سيرة حياتي فليس فيها ما يستحق النشر أو على الأقل هكذا أعتقد أنا إذ ليس فيها ما ينفع فضول أحد".
والواقع أن سيرة حياته حافلة بالأحداث والتجارب وفيها ما يستحق النشر ويسلط أضواء هامة على نتاجه وتجاربه في الحياة. ويمكننا تقسيم مراحل حياته بحسب مكان إقامته إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى في لبنان والثانية في مصر والثالثة في الولايات المتحدة الأمريكية.
1_ في لبنان:
ولد ايليا أبو ماضي في المحيدثة وعندما بلغ الخامسة من عمره، أرسله والده ضاهر الذي كان يتعاطى التجارة في المحيدثة ونظم القرادي والمعنى إلى مدرسة القرية. ولم يكد يمضي على وجوده فيها سنتين متتاليتين حتى لاحظ أن بمقدوره تصحيح أخطاء معلمه اللغوية.
وحينما بلغ الثامنة من عمره أرسله والده برفقة شقيقه الأكبر مراد إلى مدرسة اليسوعية في بكفيا. ولما بلغ الحادية عشرة من عمره شق صدر البحر إلى الإسكندرية، إذ أرسل خاله قبلان اسكندر الذي كان مقيما هناك رسالة إلى والد الشاعر يطلب فيها منه أن يرسل ولده لمساعدته في إدارة في محله الذي كان يبيع فيه الدخان.
عمل أبو ماضي في دكان خاله سنتين متتاليتين. وعندما فتح شقيقه الأكبر مراد دكانا خاصا به لبيع الدخان. انتقل على الفور لمساعدته.
بقي أبو ماضي يعمل في دكان أخيه حوالي عم ونصف. وعندما أقفل أخوه الدكان قفل عائدا إلى لبنان عاد ليعمل من جديد في دكان خاله. ولما بلغ السابعة عشرة من عمره بدأ ينظم القصائد وينشرها في عدد من المجلات والجرائد المصرية مثل "الأكسبرس" و "الزهور" حيث نشر قصائد وطنية وسياسية بحيث طارت له بسببها شهرة واسعة وصلت أصداؤها إلى مسامع أبيه في المحيدثة الذي خشي على ولده مغبة تدخله بالسياسة، فأرسل إلى ابنه مراد_ الذي كان قد هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية يطلب منه إقناع أخيه بمغادرة مصر واللحاق به إلى أمريكا. وهكذا قرر أبو ماضي مغادرة الإسكندرية نزولا عند رغبة والده ورغبة شقيقه مراد.
وصل أبو ماضي المحيدثة وأخذ يحث الناس على تجنب بعض التقاليد والعادات الموروثة عند الآباء والأجداد. فسببت له آراؤه الجريئة الكثير من العداوة والبغضاء. كما راح يلقي القصائد الحماسية التي تهاجم رجال السلطة الحاكمة، وبعد إقامته حوالي ثلاثة أشهر في بلدته أدرك استحالة بقائه فيها دون تعرض للمتاعب بسبب مواقفه وآرائه فصمم على تقريب موعد سفره إلى أمريكا الشمالية وهكذا كان.
2_ في الولايات المتحدة الأمريكية (1912- 1957):
وصل ايليا أبو ماضي برفقة شقيقه الأصغر متري إلى نيويورك عام 1912. وما إن وقع نظره على تمثال الحرية المنتصب على مدخل ميناء نيويورك حتى هتف قائلا:
نفسي اخلدي ودعي الحنين فإنما
جهل بغيد اليوم أن نتشوقا
أصبحت حيث النفس لاتخشى أذى
أبدا وحيث الفكر يغدو مطلقا
ثم انتقل من نيويورك قاصدا "سنسناتي أوهايو" التي كان شقيقه مراد يملك فيها متجرا صغيرا حيث التحق على الفور للعمل مع أخيه لمدة خمس سنوات متتالية تعرف خلالها على السيد نجيب دياب صاحب جريدة "مرآة الغرب" التي كانت تصدر في نيويورك والذي كان ينشر لأبي ماضي كل قصيدة يبعث إليها به. لاحظ أبو ماضي أن قصيدته "أمة تغني وانتم تلعبون" تحتل الصفحة الأولى من هذه الجريدة فأدرك أنه لم يخلق للعمل في التجارة.
في العام 1916 غادر متجر أخيه قاصدا نيويورك حيث رأس تحرير "المجلة العربية" ثم تركها ليعمل محررا في جريدة الفتاة لصاحبها شكري البخاش. وبعد حوالي الشهرين تركها إلى مجلة "مرآة الطرب" بعد أن وعده صاحبها نجيب دياب بإطلاق يده في تحرير مجلته_ وقد تزوج فيما بعد ابنته. وقضى سنوات عشرا يكتب وينقح في هذه المجلة.
في نيسان 1929 أسس مجلة " السمير" التي كانت تصدر مرتين في الشهر ثم حولها بجهده الكبير إلى جريدة يومية واستمر يصدرها دونما كلل حتى النفس الأخير من حياته.
وفي هذه المرحلة راح أبو ماضي يجمع قصائده التي لم يجرؤ على نشرها في ديوانه المسمى "تذكار الماضي" التي قد كان نشره في الإسكندرية سنة 1912 والقصائد التي نظمها في سنسناتي أوهايو ونيويورك حيث قام بطبعها جميعا عام 1919 في ديوانه الذي أسماه "ديوان ايليا أبو ماضي الجزء الثاني" وقد كتب له مقدمته جبران خليل جبران.
عام 1920 أصبح أبو ماضي عضوا في "الرابطة القلمية" التي أسسها في نيويورك جبران ونعيمة.