قال الطاهر ابن عاشور : ( أسمع بهم وأبصر صيغتا تعجب، وهو تعجب على لسان الرسول والمؤمنين، أو هو مستعمل في التعجيب، والمعنيان متقاربان، وهو مستعمل كناية أيضاً عن تهديدهم، فتعيّن أن التعجيب من بلوغ حالهم في السوء مبلغاً يتعجب من طاقتهم على مشاهدة مناظره وسماع مكارهه. والمعنى؛ ما أسمعهم وما أبصرهم في ذلك اليوم، أي ما أقدرهم على السمع والبَصَر بما يكرهونه. وقريب هو من معنى قوله تعالى: فما أصبرهم على النار [البقرة: 175].
وجُوز أن يكون أسمع بهم وأبصر غير مستعمل في التعجب بل صادفَ أن جاء على صورة فعل التعجب، وإنما هو على أصل وضعه أمر للمخاطب غير المعيّن بأن يَسمع ويُبصر بسببهم، ومعمول السمع والبصر محذوف لقصد التعميم ليشمل كل ما يصح أن يُسمع وأن يُبصر. وهذا كناية عن التهديد.)
وفي تفسير أضواء البيان للشنقيطي إيضاح أكثر حول استعمال صيغة التعجب هذه ، قال : ( قوله أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ صيغتا تعجب. ومعنى الآية الكريمة: أن الكفار يوم القيامة يسمعون ويبصرون الحقائق التي أخبرتهم بها الرسل سمعاً وأبصاراً عجيبين، وانهم في دار الدنيا في ضلال وغفلة لا يسمعون الحق ولا يبصرونه. وهذا الذي بينه تعالى في هذه الآية الكريمة - بينه في مواضع أخر. كقوله في سمعهم وإبصاررهم يوم القيامة:
وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ
[السجدة:12]