تحليل قصيدة البئر المهجورة كاملة
يسعدنا زيارتكم على موقع الداعم الناجح للحصول على كل اجابات اسالتكم وكل حلول المناهج الدراسيه الجديده وإليكم حل السؤاال
تحليل قصيدة البئر المهجورة كاملة
تحليل قصيدة البئر المهجورة
تقديم:
إن التحول الذي عرفه الشعر لم يقف عند القفز على الثوابت العروضية والتمرد عليها كما هو متجسد في خطاب تكسير البنية.بل تجاوز ذلك بإرساء أسس حضارية حديثة تضمن ديمومة المشروع الحداثي الشعري . إن هذه الحداثة الشعرية تقوم على مفهوم الرؤيا باعتباره كشفا متجددا لعالم في حاجة دائما إلى كشف وثورة مستمرة .وبالتالي ينعدم النموذج الشعري .ولا سبيل للتخطي والتجاوز إلا بالانفتاح على التجارب العالمية وإعادة قراءة التراث الإنساني من منظور جديد. وإذا كانت القراءة النصية غالبا ما اتخذت مطية لإثبات تصور مسبق أو موقف قبلي إلا أن قراءتنا للبئر المهجورة ليوسف الخال لن تتجه نحو نفس المقصد بل تتوخى رصد التضاريس الفنية المميزة لهذا الخطاب الشعري على عدة مستويات انطلاقا من كون لحمة مكونات النص لاتخرج عن إطار العلاقات التفاعلية بين جميع المكونات الحاضرة والغائبة
تفضي الملاحظة الأولية لشكل النص أنه يندرج ضمن خطاب من الخطابات الشعرية المتمردة على الثوابث(تجديد الرؤيا). فما حدود هذا التمرد؟ وما تجلياته. إن الجواب رهين بمقاربة القصيدة في جميع مستوياتها. و أول ما يثير في القصيدة عنوانها وتؤول هذه الإثارة إلى المفارقة الكامنة داخله اعتمادا على التداعي . فالبئر في الموروث الثقافي ترمز للحياة كما ترمز للإخفاء لعمقها تحت مقصدية إما الإيجاب أو السلب إلا أن وصفها بالمهجورة يجعلها مناسبة للإخفاء والستر. ألم يتخذ أبناء يعقوب البئر مكانا لإخفاء النبي يوسف عليه السلام فكانت محنته الأولى. وعلى أساس هذه المحنة يمكن افتراض أن طبيعة التجربة التي سيعبر عنها يوسف الخال تجربة مأساوية. وبناءا على هذا الافتراض ما دواعيها؟
البنية السطحية للقصيدة: فهم النص تعلن القصيدة في مدخلها عن العلاقة الحميمية بين الذات و إبراهيم باعتبارها شخصية محورية مركزية. شخصية تنجز الفعل وتحققه دون تراجع ونكوص.إبراهيم إنسان عادي يعيش حياته اليومية ويحمل بعدا دينيا وتاريخيا استمده من النبي إبراهيم الخليل الذي صدق الرؤيا وعزم على تنفيذها كما استمده من المسيح المخلص. إن ما يميز إبراهيم داخل عالم القصيدة هو علاقاته بالآخرين : هو مصدر الحياة والعطاء في صحراء تنعدم فيها شروط الحياة لكن الآخرين لايهتمون به نفس الاهتمام .إن العلاقة غير متعادلة بين إبراهيم والآخرين. فرغم كونه منحهم الحياة باعتباره المصدر/البئر التي يفيض ماؤها يكن له الآخرون البغض والعداء وينعتونه بالجنون
و في الوحدة الثانية تنمو القصيدة وتتطور عبر التركيز لمرة ثانية على إبراهيم وفعل التضحية الفردي المؤشر عليه بتكرير الفعل المشروط/ لو كان لي..... الذي يقدم عليه بغية بعث الجماعة.إبراهيم هو المسيح الذي يفدي العالم بموته مادام يشعر بمسؤوليته اتجاه الآخرين وهو يذكر بافتداء الشعوب نفسها بتقديم القرابين للآلهة الغاضبة فتستمر لديهم الحياة. إلا أن إبراهيم هنا ليس من أجل استمرار نفس الحياة وإنما لتغييرها للأفضل. ومن مظاهر هذا التغيير تحول الطبيعة التي لن تعرف غير الربيع وتحول العقبان عن طبيعتها الافتراسية فيعم السلام والأمن وتسترجع المعامل والشوارع والحقول طبيعتها الأصلية التي فقدها الإنسان المعاصر كما يسترجع الإنسان كرامته ويعود الضال التائه إلى أرض معاده. ولعل هذه المبادئ الحياة-السلم-الكرامة-محو الخطيئة هي المبادئ التي ضحى من أجلها المسيح قديما ويضحي من أجلها إبراهيم راهنا فإبراهيم هو مخلص الإنسان حديثا
.
إن هذه المتمنيات التي صيغت عبر الاستفهامات ستتحول إلى واقع في الوحدة الثالثة حين واجه إبراهيم الرصاص والموت ورماه الآخرون بالجنون.
البنية العميقة: التحليل عبر المستويات.
*المعجم والحقول الدالة والمرجعية والعلاقات
وتأسيسا على هذه القراءة الأفقية يجوز توزيع مؤشرات المعجم الشعري إلى حقلين دالين
:
الحياة: يفيض ماؤها- تبرعم الغصون في الخريف- يحول الغدير سيره- ينعقد الثمر- يطلع النبات في الحجر- أن أعيش من جديد- لاتمزق العقبان قوافل الضحايا-يأكل الفقير خبز يومه بعرق الجبين- يعود يولسيس-يبصر الطريق
-.....
الموت:أنشر الجبين على سارية الضياء من جديد- دمه- أن أموت من جديد- دمعة الذليل- العدو- مدافع الردى- الرصاص-لم يسمع الصدى- ظل سائرا
-....
وانطلاقا من هذا التصنيف للحقلين الدالين تبدو الخلفية الكامنة وراء تشكيل الرؤيا. أبرزها الخلفية الدينية متمثلة في إبراهيم والمسيح وربما موسى باستحضار علاقته بابنتي شعيب لحظة السقيا والفلسفة الوجودية باعتبارهذه الأخيرة تشكل المرجعية الفلسفية لمجلة شعر. إن إبراهيم شخصية تمثل الغربة والافتداء والموت الفردي من أجل الجماعة. وهي تمثل كذلك قيما ومواقف ورؤى تصب كلها في رفض الزمان والمكان والثقافة والمجتمع والتطلع إلى بديل آخر. وبمعنى آخر تحمل تناقضا وجوديا بين ذاتها العازمة على اختيار أن تعيش تجربتها متميزة وبين المجتمع الذي يحاول أن يخضع هذه الذات الشاعرة لقيمه. إن ما يميز الألفاظ هو قربها من الحياة اليومية كرغبة من الشاعرفي زج القصيدة في ما يمكن أن نسميه 'اللغة اليومية'. وهذا وعيٌ سيتطور عند الخال حتى يصل في أواخر أيامه الى اطلاق دعوته الشهيرة باستخدام اللغة المحكية في الكتابة الشعرية باعتبارها لغة الحياة والناس، فيما الفصحى لغة متعالية، إن لم نقل لغة ميتة تتمدد، باسترخاء الجثة، في قبرها التاريخي.