اتحدث عن لوحتين لرسامين شاهدتهما في معرض الفنون مستعملا المثنى وما يلحق به
في ذلك اليوم قررت ريلينا زيارة أحد معارض الرسم المعروفة، جمع مالكه عددا كبيرا من اللوحات العالمية، العربية والأوروبية، من العصور القديمة والحديثة. كان المعرض يكشف عن ذوق رفيع المستوى، غلب عليه الطابع المعماري القديم لمدن الحجاز بقناديلها المضاءة وأبوابها ورواشينها الخشبية التي عرفت بالزخارف والأشكال الجمالية. وقسمت اللوحات حسب البلدان والحقبة الزمنية، ووضعت تحت إضاءة مريحة للعينين. انبهرت ريلينا وأخذت تتأمل بسكون تام، وتتابع بشوق القصص والحكايات المسرودة في لوحات تميزت بمهارة الإيحاء، فكانت تجاريها وتكملها بمقطوعات من ذهنها حتى تنتهي القصة على الوجه الذي تحب. شاهدت عددا من اللوحات التي أشير إليها بالبنان، وبقيت رمزا لعظمة الفن الأصيل حتى وقتنا الحاضر، منها لوحة الموناليزا (الجوكندا) لليوناردو دافنشي، المدهشة بدقة تفاصيلها، وغموض ابتسامتها. لاحظت ريلينا طفلة أخذت بالتحرك أمام اللوحة يمنة ويسرة في ذهول كما لو أنها تحاول التحقق من شيء ما، فابتسمت لها ريلينا وأخبرتها بأن من ينظر إلى عيني تلك المرأة يخيل له بأنها تنظر إليه وتلاحقه أينما ذهب. رمقتها الطفلة بنظرة بريئة تشكرها على إشباع فضولها، وربتت ريلينا على كتفها، ثم غادرت منتقلة عبر باب زجاجي إلى قاعة أخرى. وقعت عينا ريلينا على لوحة لطالما استدرت شفقة الناس وعطفهم، وأمطرت عقولهم بوابل من التساؤلات المتعبة: إنها لوحة الطفل (الصبي) الباكي، للرسام الإيطالي جيوفاني براغولين. شعرت ريلينا ببداية تكثف الحزن بداخلها، فابتعدت عنها لتصافح من بين تلك الحشود القيمة إحدى منمنمات العهد العثماني، فلم تقاوم رغبتها بالمكوث أمامها لوقت طويل. سرحت فيه محاولة تحليل قدرة الفنان الفذة التي تجعل كبرياء الفن الحديث ينحني احتراما.