علي الغامدي، السعودي الذي عمل مدرباً للطيارين في مقتبل عمره، ترك كل شيء خلفه ساعياً إلى هدف حياته الأسمى الذي اختار فيه أن يكفل الأيتام في أقاصي قرى أفريقيا وآسيا، حتى وإن اضطر أحياناً لاقتراض المال وتسديده لاحقاً، لا لشيء إلا ليرى الابتسامة وشعور الأمان والثقة بالإنسان والإنسانية على وجوه الأطفال والمحرومين والمعوزين من أبناء تلك المجتمعات الفقيرة.
لم يرزق الولد في بداية حياته، فقرر علي وزوجته كفالة يتيم، وإذا بالحمل يتم بعد هذا القرار بقليل. فما تراجعا عنه، بل اعتبراه البوصلة الجديدة لحياتهما التي كرّساها منذ تلك اللحظة الحاسمة لرعاية الأيتام ممن فقدوا الأهل والسند.
سافر أولاً إلى شرق آسيا وعمل على مدى أربعة أعوام على توفير الرعاية للأيتام في المجتمعات الفقيرة، بعد أن اطلع على أفضل ممارسات رعاية الأيتام في كلٍ من كوريا الجنوبية وهونج كونج وماليزيا والفلبين. قرر بعدها أن يتوسع في عمله الإنساني نحو أفريقيا.
جاب علي الغامدي 28 دولة أفريقية تعادل نصف دول القارة على مدى سنوات عديدة؛ مرت عليه سريعة تملأ قلبه بالسعادة والرضا لرضا الأيتام الذين يمد لهم يد الحنو والمساندة والأبوة.
وطوال مسيرة تجاوزت 17 عاماً، كفل علي أكثر من 7000 يتيم. وآمن، منذ البداية، أن السلاح الوحيد للأيتام بصفة عامة وذوي الظروف الخاصة منهم تحديداً هو العلم والتعليم، فأنشأ ثلاث مدارس تضمن التحصيل العلمي والمعرفي لأكثر من 1200 يتيم.
تجاوز عدد دور الأيتام التي يدعمها 21 داراً، لكن ولأنه لم يرد لمن فقدوا ذويهم أن تنحصر حياتهم في دور الأيتام وأن يحرموا الفرص الواعدة على سوية أقرانهم، عمل على تمكينهم من بناء مستقبلهم بأيديهم من خلال العلم والرعاية، فأسس برنامجاً يعزز بناء شخصية الأيتام عن طريق دمجهم وتنشئتهم ضمن عائلات تحتضنهم وترعاهم وتقوم على تربيتهم وتمكينهم من تطوير قدراتهم ومهاراتهم وتولّي شؤونهم والاعتماد على أنفسهم مستقبلاً. وهو بدوره يقوم بدعم تلك العائلات الحاضنة بما مجمله 1000 طن من المواد الغذائية الأساسية شهرياً.
وهو إلى ذلك أقام عيادة طبية مجانية لعلاج الأيتام والفقراء ويعمل بالتنسيق مع متطوعين في مجال الرعاية الصحية والخدمات الطبية لتشغيلها ومعاينة المرضى فيها دون مقابل.
زوجته وبناته وابنه فارس هم مرجعه، ومؤسسته الاستشارية الأولى، وفي مقدمة داعميه في مسيرته هذه، يساندونه في مشاريعه الجديدة ويعملون معه في الأماكن التي يقصدها لرعاية الأيتام وإغاثة المحتاجين الذين وصل عدد من يدعمهم منهم إلى 2000 أسرة، والذين تخلى لأجل مساعدتهم عن ملكية البيت والسيارة، واضعاً نصب عينيه رسم الابتسامة على وجوههم وتوفير حياة كريمة لهم ما استطاع.
وعلي، الذي خصص مستحقات نهاية الخدمة الخاصة به لمشروع حياته هذا، يعمل متطوعاً على العشرات من المشاريع الخيرية والإغاثية، رافعاً لنفسه شعاراً لا ينفك يردده في كل حين "أسعد الناس من أسعدهم" أمله أن يواصل مشوراه ويطور مشروعه الإنساني بشكل أكبر حتى يستطيع الوصول إلى المزيد من الأيتام والمحتاجين حول العالم ويجدد أملهم بالمستقبل ويساعدهم على رؤية آفاق جديدة وفسحة أرحب للحياة