التعريف بشعر التفعيلة: نظام وزني جديد، كسر نظام البيت القائم على نظام الشطرين ... واستبدله بنظام السطر الشعري، مع الحفاظ على التفعيلة، باعتبارها النواة الأساسية للعروض العربي. وقد ظهر شعر التفعيلة في الخمسينات من القرن العشرين بالعراق على يد بدر شاكر السياب في قصيدته (هل كان حبا؟)، ونازك الملائكة قصيدة: (الكوليرا)، وقد انتشرت هذه القصيدة بعد ذلك في جميع البلاد العربية كمصر والمغرب ...وتتميز قصيدة التفعيلة بمجموعة من الخصائص الفنية :
ـ خروجه على نظام الشعر العمودي القائم على نظام الشطرين.
ـ خروجه على وحدة البيت.
ـ خروجه على القافية الموحدة
ـ توظيف الأسطورة والرمز
ـ استعمال اللغة بشكل جديد
✔ التعريف بشعر المدينة: الشعر الذي يصف المدينة وصفا مباشرا، أو يصف الساكنة الذين تتأثر حياتهم بالمدينة تأثرا واضحا، فقد ثار الشاعر المعاصر على عالم المدينة وعلى أنماط العيش فيها، هذا العالم الذي تنعدم فيه القيم بحيث ينتشر الفساد والظلم، مما يجعل الشاعر يحس بالوحدة والضياع
✔ التعريف بالشاعر: عبد الوهاب البياتي شاعر عراقي من شعراء العصر الحديث، وُلد البياتي في بغداد سنة 1926م، وهو خريج الأدب العربي سنة 1950م، عمل البياتي مدرسا بعد تخرجه مدة ثلاث سنوات، ثمَ اتجه إلى الصحافة عام 1954م، ترك البياتي العديد من الدواوين، منها: ملائكة وشياطين، أباريق مهمشة، سفر الفقر والثورة ، النار والكلمات، والذي يأتي ولا يأتي بالإضافة إلى ديوانه: عيون الكلاب الميتة الذي أخذ منه النص، فما موضوع القصيدة؟ وما خصائصها الفنية؟
➁ ملاحظة النص و صياغة الفرضية
- العنوان: "مدينة عارية " مكشوفة برزت سلبياتها .
- من خلال السطرين ( 2 ـ 3)، نتوقع أن علاقة الشاعر بالمدينة سلبية .
- الشكل الخارجي: تقوم القصيدة على نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول مع تنويع في القافية والروي (ق ، ذ ، ة)
- من خلال المؤشرات السابقة نفترض أن النص عبارة عن قصيدة تفعيلية تتناول موضوع المدينة ويقوم فيها الشاعر ببيان علاقته السلبية بالمدينة
➂ فهم النص
يمكن تقسيم النص إلى ثلاث وحدات :
- الوحدة (1)، (من السطر 1 إلى السطر 16) : إبراز الشاعر سلبيات المدينة وما يعانيه الإنسان فيها من ظلم وقهر وامتنان لكرامته مع تخصيصه الحديث عن حالة الضياع والبؤس التي يعيشها الأطفال فيها .
- الوحدة (2)، ( من السطر 17 إلى السطر 22) : بيان الشاعر الحالة المزرية التي ستكون عليها الأجيال القادمة في ظل طغيان الماديات على كل ما هو إنساني.
- الوحدة (3)، ( من السطر 23 إلى السطر 27) : إبراز الشاعر بعض المظاهر الإيجابية المميزة للمدينة .
➃ تحليل النص
1 ـ المعجم
✔ يتوزع معجم النص إلى حقلين دلاليين :
الحقل الدال على الوجه السلبي للمدينة الحقل الدال على الوجه الإيجابي للمدينة
تعرت، الحزينة، مباذل، اللصوص، السيادة، المشانق، السجون، المحارق، الضياع، الدخان، المزابل، الإنسان يلصق، الدم علب الكبريت، الحزن والسواد ابتسمت، أشرقت، عيونها، الطيبة، الصفاء ✔ نستنتج هيمنة الحقل السلبي، ولذلك ارتبك بمقصدية الشاعر التي هدفت إلى إبراز سلبيات المدينة
➁ الصورة الشعرية:
وظف الشاعر في القصيدة:
✔ الاستعارة:
- السطر 1 ، "تعرت المدينة "
- السطر 2 ، "رأيت في عيونها الحزينة "
- السطر 15 ، "قمر يموت "
- السطر 16 ، "جثث المنازل "
- السطر 26 ، "ابتسمت رغم شحوب الداء "
✔ وظف الشاعر هذه الصور لتصوير المدينة في صورة إنسان، وبالتالي تقريب وجهة نظره حول المدينة إلى المتلقي
✔ التشبيه :
- السطران (8 ـ9)،" يلصق مثل طابع البريد في أيما شيء"
➂ الرموز:
✔ الرموز هي وسيلة تعبيرية تعطى فيها الكلمات معاني أخرى غير معناها الحقيقي
- المشانق : الظلم
- علب الكبريت : الحرائق
- حدائق الرماد : البنايات الإسمنتية التي أصبحت تزحف على المناطق الخضراء
✔ إن وظيفة الصورة المستعملة في القصيدة تعبيرية إيحائية، لأن الشاعر قصد من خلالها إلى إبراز موقفه السلبي من عالم المدينة، وإيحائية لأنها تقدم المعاني التي بطريقة غير مباشرة وذلك باستخدام التشخيص والرمز
➂ الأسلوب :
لقد اعتمد الشاعر وبشكل كلي على الأسلوب الخبري الذي أسعفه في تقديم صورة عن عالم المدينة يصف فيها للمتلقي الفظاعات التي يشهدها هذا الفضاء
➃ الإيقاع:
✔ التكرار
ـ تكرار الحروف:( ن ـ القاف ـ الدال )
ـ تكرار الكلمات : ( الحزن ـ الحزينة )
ـ تكرار الجملة: ( رأيت في عيونها)
✔ التوازي: عن عظمة ، عن قمر
➄ التركيب
بناء على ما سبق نستنتج أن النص ينتمي إلى شعر التفعيلة، ويندرج في إطار شعر المدينة حيث إن الشاعر يبرز من خلال هذه القصيدة علاقته السلبية بالمدينة بعد أن اكتشف أنها فضاء مليء بالظلم والقهر والفظاعات. ولإيصال مقصديته اعتمد الشاعر على نظام السطر الشعري الذي ينزاح عن البنية الإيقاعية التقليدية القائمة على نظام " البيت" كما وظف حقلين دلاليين، بالإضافة إلى ارتكازه على جملة من الصور ( الاستعارة ، التشبيه، الرموز ) ، وأخيرا يمكن القول بأن قصيدة " مدينة عارية" لعبدالوهاب البياتي تمثل بحق الشعر الجديد الذي يعبر عن نفور الشاعر الحديث من عالم المدينة الذي أصبح فضاء تمارس فيه كل أشكال الإذلال والقهر في غياب تام للقيم الإنسانية السامية