0 تصويتات
في تصنيف مناهج بواسطة
ما هي المعاني الأساسية في قصيدة عذاب الحلاج

أقنعة اللغة في قصيدة القناع الصوفي- “عذاب الحلاج” للبياتي نموذجا
عادل بوحوت(*)

“وإنّما حَمَلَ ذلِكَ ضيقُ العِبَارَةِ عن الحقائِقِ وعجزُ اللُّغَاتِ عَنْ تَأْدِيةِ الحدِّ فِيهَا وبِهَا”

 ابن خلدون

أمّا قبل،

فلطالما شكّلت اللّغة – بالنّظر إلى خصوصية توظيفها في مجال الإبداع الشّعري- سرّا من أسرار العملية الشعرية، ومحدّدا لنوعية القُرّاء الذين يُتيح النصُّ إمكانية تجاذب أطراف الحديث معهم، أو -بتعبير آخر- إمكانية البوح والتّدليل في سياق تفاعلي يطبعه التكافؤ والندّية.. وكلّما استعصت هذه اللّغة وتعقّدت علائقها إلاّ وقلّ عدد الفاتحين لمغالق النصّ، بازدياد عدد المستلزمات التي يتطلّبها هذا الفتح؛ من معرفة بخصوصية التّعبير اللّغوي، واطّلاع على ينابيع الإلهام ومصادر الاستمداد بالنسبة إلى المبدع…إلخ. ففي هذا الواقع القرائي الطارئ، انسلخت اللّغة من مهمّتها التقليدية، باعتبارها وسيلة للتّعبير، لتغدو العُنصر الأكثر فاعلية وتأثيرا، والمحدِّد الرئيس لمدى نضج واكتمال التجربة الشعرية أو فجاجتها.. وذلك لكونها (أي اللغة) العنصر الضامّ لكلّ تعقيدات هذه التجربة، والبوتقة التي تنصهر فيها مشارب الشاعر الحديث التي تنوّعت بين ثقافية وفكرية وفلسفية ودينية… وهي مشارب تغيب مضامينُها عن القارئ العادي، هذا القارئ الذي صار محكوما دائما بالخروج بخفي حنين من نصوص أصبحت تحمل في طياتها ملامح القراء الذين تَقبل التّعامل معهم.. ما جعل الدّلالة في هذا الشعر تتكثّف وتتعدّد وتُستبعد وتُؤجّل إلى موعد غير محدد!!

لقد استقرّ الرأي لدى رواد الحداثة الشّعرية العربية – باختلاف تيّاراتهم الفنّية- على اعتبار القصيدة المعاصرة “مغامرة لغوية”([1])، تفرض على القارئ التّجوال في سراديب المبهم، والغامض، واللاّمتناهي…، فيكون بذلك ملزما بتغيير عاداته في قراءة النّصوص الشعرية، بعدما يكتشف أنّ بوصلته التقليدية عفا عليها الزّمن ولم تعُد تسعف، مع تغيّر ملامح خريطة الشعر، وتبدّل أقاليمه، وإعادة رسم حدوده.. وهو ما تفرضه علينا قصيدة “عذاب الحلاج”([2]) التي تصدح بالإشارات الصوفية والتّراكيب الغريبة، فتنزاح بذلك عن أطر التعبير المعتادة في منظومة الشعر التقليدي. ولعلّ مردّ ذلك –كما سنرى- إلى هذا التّداخل الذي يصرّح به العنوان ابتداءً، أو لنقل إلى هذه الازدواجية التي تجعل القصيدة ناطقة بلسانين ومعبّرة عن تجربتين: تجربة الشاعر عبد الوهاب البياتي([3]) في مستوى أوّل، والتّجربة الصوفية (ممثَّلة بأحد أبرز أعلامها وهو الحلاج)([4]) في مستوى ثانٍ. هذه التّجربة الأخيرة التي اقترنت في الثّقافة العربية الإسلامية بلغة ملتبسة ومستعصية على الفهم بالنّسبة إلى القارئ المتخصّص بله القارئ العادي، لغة تتوسّل بالرّمز والإشارة سبيلا إلى توصيل ما يعتمل في وجدان من يخوضها (أي التجربة الصوفية) من أحوال ومقامات ومواجيد، ترتقي به إلى عوالم الميتافيزيقا وتنفتح على الماوراء… فلا يكفي في هذه الحال النّظر في العبارات من منظور الدّلالات التي تعارف عليها مستعملو اللغة وأقرّتها القواميس، بل يجب الحرص على التقاط الإشارات، وذلك بالتنقيب فيما وراء السّطور وملء البياضات ومواقع اللاّتحديد حسب اصطلاح إيزر.. ولعلّ هذا بالضبط ما أشار إليه الحلاّج حين قال: «من لم يقف على إشاراتنا لم تُرشِده عباراتنا»([5]).

من فضلك سجل دخولك أو قم بتسجيل حساب للإجابة على هذا السؤال

مرحبًا بك إلى حلول، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...