أُشتهر عن عالم الفلك الأمريكي البارز كارل ساجان قوله: أنه لو حصل دمار شامل لكوكب الأرض وطُلب منه قبل أن يغادر الأرض لكوكب جديد أن يأخذ معه معلومة أو نظرية علمية واحدة فقط ليُنشِأ بها حضارة جديدة، لكانت تلك معلومة هي (الجدول الدوري للعناصر الكيميائية). وبحكم مركزية مفهوم ترتيب العناصر الكيميائية على شكل جدول دوري وأثرها البارز في تطور العلم والتقنية الحديثة، فلا عجب أن توافق الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومنظمة اليونيسكو على جعل هذه السنة 2019 هي: السنة الدولية للجدول الدوري للعناصر الكيميائية (IYPT2019).
اتخذت الأمم المتحدة قرارها هذا بناءً على دور الإنجازات الكبيرة للجدول الدوري للعناصر من خلال علم الكيمياء في توفير الحلول العلمية للتحديات العالمية في مجالات الطاقة والتعليم والزراعة والصحة وتعزيز التنمية المستدامة. السبب في اختيار هذا العام بالذات للاحتفال بالجدول الدوري للعناصر الكيميائية أنه يتوافق مع مرور 150 عاماً على اكتشاف الجدول الدوري Periodic Table من قِبل العالم الروسي الشهير ديمتري مندلييف، وكذلك مرور 350 عاماً على اكتشاف أول عنصر كيميائي وهو عنصر "الفسفور" على يد العالم الألماني هينيغ براند وهو بذلك أول عنصر كيميائي من عناصر الجدول الدوري البالغة 118 عنصراً نعرف بشكل تقريب قصة اكتشافه.
تجدر الإشارة إلى أنه تم تخصيص عام 2011م بكونه: السنة الدولية للكيمياء (International Year of Chemistry 2011) وفي تلك السنة ساهم الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة و التطبيقية (IUPAC) بشكل أساسي في تنظيم الاحتفالات والأنشطة العلمية المتعلقة بعلم الكيمياء ودورها في خدمة البشرية. ومما ساهم في تعزيز تكريم علم الكيمياء مرة ثانية هذه السنة أنه في هذا العام 2019م يتوافق مع مرور 100 سنة على إنشاء منظمة الايوباك الكيميائية ذلك الصرح العلمي البالغ الأهمية. في مسرحية روميو وجوليت يتساءل شكسبير بتعجب: ماذا في الاسم What's in a Name? ، فالوردة ستكون وردة بأي اسم سميتها؟ قد يكون هذا سائغاً في عالم الأدب والفن والجمال ولكن الحال قد يختلف في دنيا العلوم. لا شك أن الاسماء العلمية والمصطلحات التقنية تحمل مدلولات محددة وشبه منضبطة، وبما أننا في سياق الحديث عن الاحتفال والتقدير للجدول الدوري للعناصر الكيميائية، فهل يحق لنا أن نتساءل عن التنوع الغريب والكثيف لأسماء العناصر الكيميائية ولهذا نقول بكل براءة (ماذا في الاسم؟).
فيما مضى كان شرف تسمية عناصر الجدول الدوري يمنح للشخص الذي اكتشف أو حضّر ذلك العنصر، ولكن في العقود الزمنية الأخيرة أنيطت مهمة اعتماد أسماء ورموز العناصر الكيميائية الجديدة للجان مختصة في الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية (الأيوباك). ولقد كان دور منظمة الأيوباك حاسماً في تسمية العناصر الجديدة التي تحمل العدد الذري الأكثر من مائة، وكانت أهمية هذا الدور ناتجة من حسم مادة النزاع الناشئة بين عدد من المعاهد والهيئات العلمية في عدد من البلدان والتي أخذت تتنازع فيما بينها بادعاء شرف الأسبقية في اكتشاف أو تحضير بعض العناصر الذرية الجديدة، ومن ثمّ المطالبة بأحقية تسميته. للوهلة الأولى قد يبدو أن تدخل منظمة الأيوباك إيجابياً وذلك لنزع فتيل معركة الأسماء تلك، لكن في المقابل سوف نخسر مصدراً فريداً للتشويق والإثارة الكيميائية التي تصحب في العادة اقتراح التسميات الممتعة والشيقة للعناصر الجديدة. في سالف العصور كانت تسمية العناصر الكيميائية تتم على يد المكتشفين والعلماء المختلفي الثقافات والحضارات والجنسيات وهذا هو سر التشويق الاستكشافي المعرفي لسبر أغوار مدلولات ومغزى هذه التسميات، والخلفية التاريخية لهذه الغابة من الأسماء الكيميائية المتباينة والتي انعكست في ثناياها ثقافات تلك الشعوب. ولا يخفى أن موضوع تسمية العناصر موضوع غاية في التشويق منذ البدايات الضبابية الأولى لعلم السيمياء القديم، و تسهيلاً لتتبع أسباب وأساليب التسمية الكيميائية للعناصر الذرية قمتُ بتقسيم عملية تسمية هذه العناصر وفق المحطات أو المراحل المميزة التي تشكلت بالتوالي و التتابع عبر الزمن ويمكن تخليصها كالتالي:
المرحلة المجهولة
وهي متعلقة بالعناصر الكيميائية القديمة التي عرفتها البشرية منذ آلاف السنين حيث لا يعرف على وجه الدقة من هو أول مَنْ اكتشف وتعرف على هذه العناصر ومتى كان ذلك وفي أي بلد؟ نتج عن ذلك بالتبعية أنه لا يُعرف بالتحديد أسباب تسمية بعض تلك العناصر كما هي الحال مع أسماء عناصر الكبريت والرصاص والقصدير والزنك والزئبق. في الواقع هناك أنواع أخرى من العناصر القديمة التي توجد إشارات معقولة ومقبولة لسبب تسميتها مثل عنصر الكربون المشتق من الكلمة اللاتينية Carbo بمعنى (الفحم) وعنصر النحاس Copper الذي يرجح أنه مأخوذ من الاسم اللاتيني لجزيرة قبرص Cyprus التي كانت المصدر الرئيس لمناجم النحاس.