يقول: وفي الحي حبيب يشبه ظبيًا أحوى في كحل العينين وسمرة الشفتين في حال نفض الظبي ثمر الأراك؛ لأنه يمد عنقه في تلك الحال، ثم صرح بأنه يريد إنسانًا، وقال: قد لبس عقدين أحدهما من اللؤلؤ والآخر من الزبرجد، شبهه بالظبي في ثلاثة أشياء: في كحل العينين، وحوة الشفتين، وحسن الجيد، ثم أخبر أنه مُتَحَلٍّ بعقدين من لؤلؤ وزبرجد.
خَذولٌ تُرَاعي رَبْرَبًا بِخَميلَةٍ
تَناوَلُ أَطْرَافَ البَريرِ وَتَرْتَدِي
خذول: أي خذلت أولادها. تراعي ربربًا. أي ترعى معه. الربرب: القطيع من الظباء وبقر الوحش. الخميلة: رملة منبتة، قال الأصمعي: هي أرض ذات شجر، والجمع الخمائل. البرير: ثمر الأراك المدرك البالغ، الواحدة بريرة، الارتداء والتردي: لبس الرداء.
يقول: هذه الظبية التي أشبهها الحبيب ظبية خذلت أولادها وذهبت مع صواحبها في قطيع من الظباء ترعى معها في أرض ذات شجر أو ذات رملة منبتة تتناول أطراف الأراك وترتدي بأغصانه، وإنما خص تلك الحال لمدها عنقها إلى ثمر الشجرة، شبه طول عنق الحبيب وحسنه بذلك.
وَتَبْسِمُ عن أَلْمَى كأنّ مُنَوّرًا
تَخَلّلَ حُرّ الرّمْلِ دِعْصٍ له نَدِ
الألمى: الذي يضرب لون شفتيه إلى السواد، والأنثى لمياء، والجمع لُمْي، والمصدر اللَّمَى، والفعل لمي يلمى. البسم والتبسم والابتسام واحد. كأن منورًا يعني أقحوانًا منورًا، فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه. نوَّر النبت إذا خرج نوره فهو مُنوّر. حر كل شيء: خالصه. الدعص: الكثيب من الرمل، والجمع الأدعاص. الندى يكون دون الابتلال، والفعل ندي يندى ندى، وندَّيته تندية.
يقول: وتبسم الحبيبة عن ثغر ألمى الشفتين كأنه أقحوان خرج نَوره في دعص نَدٍ يكون ذلك الدعص فيما بين رمل خالص لا يخالطه تراب، وإنما جعله نديًّا ليكون الأقحوان غضًّا ناضرًا، شبه به ثغرها وشرط لمى الشفتين ليكون أبلغ في بريق الثغر. وشرط كون الأقحوان في دعص ند لما ذكرنا، وتقدير الكلام كأن به أقحوانًا منورًا تخلل دعص له نَدٍ حر الرمل ثغرها، فحذف الخبر.
سَقَتْهُ إياةُ الشّمْسِ إلَّا لِثاتِهِ
أُسِفّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَليهِ بإثْمِدِ
إياة الشمس وإياها: شعاعها. اللثة: مغرز الأسنان، والجمع اللثات. الإسفاف: إفعال من سففت الشيء أسفه سفًّا. الإثمد: الكحل. الكدم: العض. ثم وصف ثغرها فقال: سقاه شعاع الشمس، أي: كأن الشمس أعارته ضوءها. ثم قال: إلا لثاته، يستثني اللثات؛ لأنه لا يستحب بريقها. ثم قال: أُسِفّ عليه الإثمد، أي ذر الإثمد على اللثة، ولم تكدم بأسنانها على شيء يؤثر فيها، وتقديره: أسف بإثمد ولم تكدم عليه بشيء. ونساء العرب تذر الإثمد على الشفاه واللثات فيكون ذلك أشد للمعان الأسنان.
وَوَجهٍ كأنّ الشَّمس أَلْقَتْ رِداءها
عَلَيْهِ نَقيّ اللّوْنِ لَمْ يَتَخَدّدِ
التخدد: التشنج والتغضن.
يقول: وتبسم عن وجه كأن الشمس كسته ضياءها وجمالها، فاستعار لضياء الشمس اسم الرداء ثم ذكر أن وجهها نقي اللون غير متشنج متغضن، وصف وجهها بكمال الضياء والنقاء والنضارة، وجر الوجه عطفًا على ألمى.
وإني لأمْضي الْهَمّ عندَ احْتِضَارِهِ
بعَوْجاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي
الاحتضار والحضور واحد. العوجاء: الناقة التي لا تستقيم في سيرها لفرط نشاطها. المرقال: مبالغة مرقل من الإرقال: وهو بين السير والعدو.
يقول: وإني لأمضي همي وأنفذ إرادتي عند حضورها بناقة نشيطة في سيرها تخب خببًا وتذمل ذميلًا في رواحها واغتدائها، يريد أنها تصل سير الليل بسير النهار، وسير النهار بسير الليل؛ يقول: وإني لأنفذ همي عند حضوره بإتعاب ناقة مسرعة في سيرها.
أمونٍ كَألْوَاحِ الإرانِ نَضَأتُها
على لاحِبٍ كأنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ
الأمون: التي يؤمن عثارها. الإران: التابوت العظيم. نصأتها، بالصاد: زجرتها ونسأتها، بالسين، أي: ضربتها بالمنسأة، وهي العصا. اللاحب: الطريق الواضح. البرجد: كساء مخطط.
يقول: هذه الناقة الموثقة الخلق يؤمن عثارها في سيرها وعدوها وعظامها كألواح التابوت العظيم ضربتها بالمنسأة على طريق واضح كأنه كساء مخطط في عرضه. يريد أنه يمضي همه بناقة موثقة الخلق يؤمن عثارها. ثم شبه عرض عظامها بألواح التابوت، ثم ذكر سوقه إياها بالعصا، ثم شبه الطريق بالكساء المخطط؛ لأن فيه أمثال الخطوط العجيبة.
جَمالِيّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدي كَأنَّها
سَفَنّجَةٌ تَبْرِي لأزْعَرَ أَرْبَدِ
الجمالية: الناقة التي تشبه الجمل في وثاقة الخلق. الوجناء: المكتنزة اللحم،
أخذت من الوجين وهي الأرض الصلبة، والوجناء العظيمة الوجنات أيضًا. الرديان: عدو الحمار بين متمرغه وآرِيِّهِ (وتد في الحائط يربط به زمام الدابة), هذا هو الأصل ثم يستعار للعدو، والفعل ردى يردي. السفنجة: النعامة. تبري: تعرض، والبري والانبراء واحد وكذلك التبري. الأزعر: القليل الشعر. الأربد: الذي لونه لون الرماد.
يقول: أمضي همي بناقة تشبه الجمل في وثاقة الخلق مكتنزة اللحم تعدو كأنها نعامة تعرض لظليم (ذكر النعام) قليل الشعر يضرب لونه إلى لون الرماد. شبه عدوها بعدو النعامة في هذه الحال.
تُبارِي عِتاقًا ناجِيَاتٍ وأَتْبَعَتْ
وَظيفًا وَظيفًا فوق مَورٍ مُعَبَّدِ
باريت الرجل: فعلت مثل فعله مغالبًا له. العتاق: جمع عتيق: وهو الكريم. الناجيات: المسرعات في السير، نجا ينجو نَجًا ونجاء أي: أسرع في السير. الوظيف: ما بين الرسغ إلى الركبة وهو وظيف كله. المور: الطريق. المعبّد: المذلل، والتعبيد: التذليل والتأثير.
يقول: هي تباري إبلًا كرامًا مسرعات في السير وتتبع وظيف رجلها وظيف يدها فوق طريق مذلل بالسلوك والوطء بالأقدام والحوافر والمناسم في السير.
تَرَبّعَتِ القُفّينِ في الشّوْلِ تَرْتَعِي
حَدائِقَ مَوليّ الأسِرّةِ أغْيَدِ
التربع: رعي الربيع والإقامة بالمكان واتخاذه ربعًا. القف: ما غلظ من الأرض وارتفع لم يبلغ أن يكون جبلًا، والجمع قفاف. الشول: النوق التي جفت ضروعها وقلّت ألبانها، الواحدة شائلة، بالتاء لا غير. وأما الشول جمع شائل، من شال البعير بذنبه إذا رفعه، يشول شولًا، ويقال: ناقة شائل وجمل شائل. والشول: الارتفاع، ويعدّى بالباء، والإشالة: الرفع. الارتعاء: الرعي، إذا اقتصر على مفعول واحد عنى الرعي. الحدائق: جمع حديقة وهي كل روضة ارتفعت أطرافها وانخفض وسطها. الحديقة: البستان أيضًا، سميت بها لإحداق الحائط بها، والإحداق الإحاطة.
المولي: الذي أصابه الولي وهو المطر الثاني من أمطار السنة، سمي به لأنه يلي الأول، والأول الوسمي، سمي به لأنه يسم الأرض بالنبات، يقال: ولي المكان يولى فهو مولي إذا مطر الولي. سر الوادي وسرارته. خيره وأفضله كلأ، والجمع الأسرة والسرار. الأغيد: الناعم الخلق، وتأنيثه غيداء، والجمع الغِيد، ومصدره الغَيَد.
يقول: قد رعت هذه الناقة أيام الربيع كلأ القفين، وأراد بهما قفين معروفين، بين نوق جفّت ضروعها وقلت ألبانها، ترعى هي حدائق واد قد وليت أسرّتها وهو مع ذلك ناعم التربة، وصف الناقة برعيها أيام الربيع ليكون ذلك أوفر للحمها وأشد تأثيرًا في سمنها، ثم وصفها بأنها كانت في صواحب لها، وهي إذا رأت صواحبها ترعى كان ذلك أدعى إلى الرعي، ثم وصف مرعاها بأنه في واد اعتادته الأمطار وهو مع ذلك طيب التربة، وقوله: حدائق مولي الأسرّة، تقديره وحدائق واد مولي الأسرّة فحذف الموصوف ثقة بدلالة الصفة عليه.
تَرِيعُ إلى صَوْتِ الْمُهيبِ وَتَتّقِي
بذي خُصَلٍ رَوْعاتِ أكلَفَ مُلبدِ
الريع: الرجوع، والفعل راع، يريع. الإهابة: دعاء الإبل وغيرها، يقال: أهاب ناقته إذا دعاها. الاتقاء: الحجز بين شيئين، يقال: اتَّقى قرنه بترسه إذا جعل حاجزًا بينه وبينه، وقوله: بذي خصل، أراد بذنب ذي خصل، فحذف الموصوف اكتفاء بدلالة الصفة عليه، والخصل جمع خصلة من الشعر وهي قطعة منه. الروع: الإفزاع، والروعة فعلة منه، وجمعها الروعات. الأكلف. الذي يضرب إلى السواد. الملبد: ذو وبر متلبد من البول والثلط (الغائط غير المتماسك) وغيره. روعات أكلف أي: روعات فحل أكلف، فحذف الموصوف.
يقول: هي ذكية القلب ترجع إلى راعيها وتجعل ذنبها حاجزًا بينها وبين فحل تضرب حمرته إلى السواد متلبد الوبر، يريد أنها لا تمكنه من ضرابها (مجامعتها) وإذا لم يصل الفحل إلى ضرابها لم تلقح، وإذا لم تلقح كانت مجتمعة القوى وافرة اللحم قوية على السير والعدو.
كأنّ جَناحَي مَضْرَحيٍّ تَكَنّفَا
حِفافيهِ شُكَّا في العَسيبِ بِمَسْرَدِ
المضرحي: الأبيض من النسور، وقيل: هو العظيم منها. التكنف: الكون في كنف الشيء وهو ناحيته. الحفاف: الجانب، والجمع الأحفة. الشك: الغرز. العسيب: عظم الذنب، والجمع العُسُب. والمسرد المسراد: الإشفى (المثقب)، والجمع المسارد والمساريد.
يقول: كأن جناحي نسر أبيض غرزًا بإشفى في عظم ذنبها فصارا في ناحية، شبه شعر ذنبها بجناحي نسر أبيض في الباطن.9