ثم تنحني زهراتها اليافعة لتعب عبير الهدوء وصفو الهناء،
وهنا فَقط تصل النشوة غايتها ويعلن افتتاح المهرجان ليغني العندليب ” سنرجع” هَذا الغناءَ العذب لَم يكن الا نبوءة خبر بها العندليب غدآة لقائه الشاعر علي واحد مِن منحنيات الرحيل وهُناك أيضا كَانت البلابل تزغرد زغردة صاغ مقاطعها الشعراء:
تعب الزهيرات فِي ظله
عبير الهدوء وصفو الهنا
سنرجع خبرني العندليب
غدآة التقينا علي منحنى
بان البلابل لما تزل
هُناك تعيش باشعارنا
ومازال بَين تلال الحنين
وناس الحنين مكان لنا
فيا قلب كَم شردتنا الريح
سنرجع يوما الي حينا….
هَذه الرؤية الحالمة ليست نزفا أو شجنا ما دامت مرتبطة بارادة فاعلة،
الارادة الَّتِي تصاغ مِن خِلال الوعي المشارك فِي تشكيل المرحلة عَبر صناعة ثقافة الامل وصد تهافتات الرحيل عَبر تنازلات الساسة.
اي ان الشعر الناعم هُنا يعيد سبك الرؤية السياسية مِن خِلال بنيته الحكيمة الَّتِي تجعل الواقع أكثر صلابة مِن خِلال بث روح الامل فِي تعرجات الزمان،
واشراك البيئة فِي زغردة العرس المنتظر.
وهنا يدخل البعد الانساني،بل الكوني فِي صياغة هَذا الحلم وبناءَ اركانه.
لم يكن الشعر فِي يوم مِن الايام الا واجهة مِن واجهات التنظير الانساني،
من خِلال رسالة تشَكل بَعدا مضمونينا مساندا للبعد الجمالي والتغني الناجم عَن الرقة أو العذبة سيلتحم بالتغني الناجم عَن الحلم والوعد والامل،
وهي كلها معاني سامية تحلق فِي سماءَ حق العودة،
وترسم خيوط شروطه الَّتِي لا تنازل عنها ابدا،
لان الحق فِي مثاليته اشبه بالشعر فِي جماليته،
واذا ما انتقص المبني الجمالي بانتقاص صدق التجربة؛ فإن الدلالة أو القيمة المعرفية الَّتِي يتناولها النص ستبقي ناقصة ما لَم تحلق عاليا فِي سماءَ الاباءَ والعزة.
ومن هُو ذاك الدعي الَّذِي يستطيع ان يسقط حق امة فِي ان تستعيد كرامتها وتعود الي ديارها،
وكيف يَكون ذلِك التغيير منطقيا والطيور المغردة تعزف علي لحن النصر وتابي ان تعيش فِي عبودية الحبس.
ان قيمة النص لا تتشَكل مِن مقاطعه الموسيقية فَقط بل ستندغم مَع قيمه المضمونية لتكتمل فيه رؤيته الفنية والمضمونية.
هَذا التصوير الفني البديع جعل واحدة مِن مشاهير الغناءَ العربي”فيروز” تشدو بهَذه المعزوفة بلحن رقراق بديع ،
ولعل مِن اعجب ما فِي هَذا الغناءَ ان كثِيرا مِن السامعين يظنون فيروز تقول سنرجع يوما الي حيفا؛ لما بَين اللفظتين ” حينا ” و”حيفا” مِن تناغم عجيب.ولم تكُن فيروز فريدة فِي التفاتتها الذكية الي شاعرية هَذا المتالق،
بل ان المجموعة القطرية صدحت منذُ عقود بقصيدته الرائعة احبك يا قدس.