0 تصويتات
بواسطة (512ألف نقاط)
تحضير نص المفاضلة بين النظم والنثر

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (2.8مليون نقاط)
حل المنظوم ونظم المنثور

دراسة في العلاقة بين الشعر والنثر

الملخص باللغة العربية

يسعى هذا البحث إلى الوقوف على مسار العلاقة بين الشعر والنثر، وذلك من خلال الدراسة التاريخية التطبيقية، فقد بدأ الشعر في العصر الجاهلي مسيطراً على المشهد الأدبي العام بما أوتي من قدرة على التأثير في النفوس، لكن هذه الحالة لم تدم طويلاً إذ حدثت هناك تحولات جعلت الشعر ينسحب تدريجياً لصالح النثر، وقد بدأ ذلك مع نزول القرآن الكريم وتقليله من شأن الشعر والشعراء، ثم بعد ذلك ما حدث من قوة تأثير النثر على الحياة العامة بعد عصر التدوين، إذ صار النثر متمثلاً بالكتابة يأخذ دور الشعر، وصار الكتاب ممثلي السياسة، ووزراء الخلفاء وجلساءهم ومربي أبنائهم، وصار ينظر إلى الشاعر على أنه المتطفل والمتكسب بشعره على الأبواب، وبذلك فقد الشعر بريقه، ومع مرور الزمن تحولت الأنظار عن الشعر لصالح النثر، فصار النثر هو المعبر عن الحاجات الإنسانية للمجتمع ولم تعد فضيلة الشعر كما كانت سابقاً

إن الشعر لم يفقد أهميته فجأة بل كان هناك صراع وتحولات ثقافية واجتماعية أدت إلى ما سمي بحل الشعر؛ أي تحويله من منظوم إلى منثور، حتى وإن ظهر تطور طبيعي في حركة الشعر في العصور اللاحقة؛ وذلك كي تتم البرهنة على أن للنثر القدرة على التعبير عن المعاني بالكفاءة نفسها التي كانت حكراً على الشعر، ومرت عملية حل الشعر بمراحل متعددة حتى أصبحت نظرية مكتملة على يد ابن الأثير في القرن السادس الهجري، فنظر لها وأعطى التطبيقات عليها، ثم بعد ذلك صار النثر سيد المشهد الادبي بما يحمله من قوة التعبير عن كل الحاجات والمتطلبات التي يقتضيها العصر، وصار عنوان التطور للمراحل اللاحقة.
بواسطة (2.8مليون نقاط)
 

دراسة في العلاقة بين الشعر والنثر

العلاقة بين الشعر والنثر علاقة ممتدة في الزمان والمكان، وكانت هذه العلاقة محور رد وأخذ ومد وجزر، فإذا كان الشعر في مرحلته الذهبية هو الحاكم الآمر الناهي، فإن النثر قد أخذ دوره هذا في مرحلة أخرى من مراحل الزمن. وقد انطلقت في حديثي عن ذلك من نص أبي عمرو بن العلاء (154هـ) الذي نقله أبو حاتم الرازي، إذ يقول: "وروي عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، قال: كانت الشعراء عند العرب في الجاهلية بمنزلة الأنبياء في الأمم، حتى خالطهم أهل الحضر فاكتسبوا بالشعر فنزلوا عن رتبهم، ثم جاء الإسلام ونزل القرآن بتهجين الشعر وتكذيبه، فنزلوا رتبة أخرى، ثم استعملوا الملق والتضرع فقلوا واستهان بهم الناس"()،ونقل الجاحظ عن أبي عمرو بن العلاء قوله: "كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم، ويفخم شأنهم، ويهول على عدوهم ومن غزاهم، ويهيب من فرسانهم، ويخوّف من كثرة عددهم، ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم، فلما كثر الشعر والشعراء، واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا إلى السوقة، وتسرعوا إلى أعراض الناس، صار الخطيب عندهم فوق الشاعر. ولذلك قال الأول: الشعر أدنى مروءة السري، وأسرى مروءة الدني"().

من هذين النصين اللذين وردا عن أبي عمرو بن العلاء على اختلاف روايتهما يمكننا أن نضع أيدينا على المفاصل المهمة التي تمت خلالها المفاضلة بين الشعر والنثر، واتخاذ أحدهما دون الآخر، ومع ذلك فإن الملاحظ أن هذا التفاضل لم يقم على أسس فنية خالصة بل قام على أسس موضوعية أخلاقية بالنظر إلى دور كل منهما في المجتمع ومدى قدرتهما على التعبير عن الالتزام بالمبادئ التي يقيمها الناس في رؤيتهم لدورها.

 صدارة الشعر:

كان الشعر يحتل منزلة عالية لا منافس لها عند العرب في الجاهلية، وكان الشعراء بمنزلة الأنبياء؛ وذلك لدورهم المهم، وحاجة الناس إليهم، فهم الذين يقيدون مآثرهم ويعلون من شأنهم، ويخوفون أعداءهم فتبؤوا منزلة عالية "وذلك بسبب المنافع العامة التي يجنيها مجتمعهم القبلي القائم على الحروب والعداوات المتصلة من شعره"().

والأدلة على أهمية الشعر في العصر الجاهلي واضحة جلية "فإذا نبغ في القبلية شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعن في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد أو شاعر ينبغ أو فرس تنتج"().

فالشاعر لسان القبيلة وسيفها وحامي عرضها وكرامتها، ولم يكن الشعر في ذلك العصر ترفاً لا يتعاطاه إلا قلة من الناس، بل كان الوسيلة الوحيدة للتعبير الأدبي، وكانت القصائد وهي لم تدون تطير عابرة الصحراء ويتناقلها الناس ويحفظونها().

والأمثلة كثيرة لأهمية الشعر في هذا العصر، والأمثلة وافرة لشعراء حموا أعراض قبائلهم أو تشفعوا لأفرادها، أو حطّوا من شأن أعدائهم، أو رفعوا الوضيع، ووضعوا الرفيع، أو سما بهم شعرهم حتى نادموا الملوك وكانوا من خواصهم().

الخطابة والشعر:

كانت تلك منزلة الشعر والشعراء في العصر الجاهلي، ولكننا نلمح من كلام أبي عمرو ابن العلاء أن الشعر أخذ يتخلى عن مكانته الرفيعة بسبب تخليه عن وظيفته، فكثر الشعر والشعراء؛ بمعنى أنه نزل إلى عامة الناس، ولم يعد الشاعر متميزاً فريداً ثم صار الشعر مكسبة يتكسب به الشاعر رزقه، وهذا سيدفعه إلى أن يماري الأقوياء، ويهادن الملوك، ويمدح الأمراء. وبعد ذلك رحل إلى السوقة وعاش مع أراذل الناس، واعتقد أن رحيله إلى السوقة يعني أنه صار من أدوات اللهو والطرب والغناء والمجون، وصار يقال في أماكن اللهو، مما قلل من أهمية الكلمة وقيمتها الخُلقية التي كانت تحظى بها، وتعمل عمل السحر بمستمعها، وأصبح الشعر يخوض في أعراض الناس، ويستخدم للهجاء والذم والشتم، وكل هذه الأسباب نزلت بالشعر درجة وظهر المنافس الذي كان مخفياً ألا وهو الخطابة، فعظم قدر الخطباء وعلا شأنهم.

وإن كانت القيمة الأخلاقية هي التي أعلت من شأن الخطابة والخطباء برأي أبي عمرو ابن العلاء، فإن الموضوعات التي اختصت بها الخطابة لا تقل أهمية عن السبب الأول، فالخطابة "كانت من مختصات ساداتهم الذين يتكلمون بأسمائهم في المواسم والمحافل العظام، ومن أجل ذلك تقترن الخطابة بالحكمة والشجاعة"()، ثم شاركت الخطابة الشعر في موضوعاته كالمفاخرة والمنافرة والمدح والهجاء، والحض على القتال، ويزيد عليه بأمور كالوفادة على الملوك والنصح والإرشاد "وقد يكون من أهم الأسباب التي ميّزت الخطيب عن الشاعر أنه كان يدعو إلى السلم وأن تضع الحرب أوزارها، أما الشاعر فلم يكن يدعو إلا إلى الأخذ بالثأر وإشعال نار الحرب"()، ويرد الدكتور شوقي ضيف تفوق الخطيب على الشاعر إلى أسباب عدة منها: أن الخطابة كانت من لوازم السادة، ولذلك اقترنت بالحكمة والشرف والرياسة والشجاعة، وأن وظيفة الخطيب أوسع من وظيفة الشاعر، فيشاركه فيها ثم ينفرد في الوفادة والنصح والإرشاد والإملاك().

لكل تلك الأسباب ارتفعت مكانة الخطيب والخطابة، وأصبحت منافسة للشعر تتغلب عليه وتأخذ دوره وتغني عنه، وتعد هذه المنافسة هي المسمار الأول الذي دُقّ في نعش الشعر فأنزله من برجه العاجي، وأصبح الشعر والشعراء محط أنظار الناس ومدار إطلاق الأحكام عليهم بعد أن كانوا فوق ذلك، فلم يعد الشعر مما يفخر به، فقد قال الجاحظ: "ولقد وضع قول الشعر من قدر النابغة الذبياني، ولو كان في الدهر الأول ما زاده ذلك إلا رفعة"(). وفي هذا دلالة على تغير مكانة الشاعر في هذا الزمن؛ أي زمن النابغة. ومن الأدلة على ذلك ما يروى في الأخبار أن حجراً طرد امرأ القيس أنَفة من قول الشعر، فخرج الفتى في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذاذ العرب ينشد غديراً أو روضة، فأقام وذبح لمن معه ثم خرج إلى الصيد فتصيّد، ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الخمر وغنته قيانه().

ومهما يكن من اختلاف حول السبب الذي من أجله طرد حجر ابنه الشاعر، فإن هذا الخبر يدل على أن الشاعر قد انحرف بشعره عن غايته، فأصبح يقوله في مجالس اللهو والطرب والغناء وشرب الخمر، ويصاحبه الأخلاط والشذاذ، وهذا ما أشار إليه أبو عمرو بن العلاء في قوله المذكور سابقاً.

 القرآن الكريم والشعر:

بعد صراع مع الخطابة ومنافسة لا تخلو من انتصار حققه الخطباء على الشعراء، وصار الخطيب يشار إليه، ويعبّر عن أغراضه، ويتصرف في معانيه، إلا أن الشعر بقي يحتل مكانة عالية في نفوس الناس ورثوها عن أسلافهم إلى أن جاء الإسلام، ونزل القرآن الكريم بتهجين الشعراء وتكذيبهم(). ونزل قوله تعالى: )وما علمناه الشعر وما ينبغي له(()، وفي هذا تنزيه للنبي - صلى الله عليه وسلم- عن قول الشعر والتعامل به، وذلك لكي لا يختلط قوله بالشعر، ولأن التهمة التي وُجهت له هي قولهم عنه إنه شاعر، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يتمثل ببيت من الشعر فإنه يغيّر في ترتيب كلماته حتى لم يعد موزوناً: "وقد روي في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم-  تمثل ببيت طرفة:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
 

 

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد()
 

فقلب القافية فقال:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
 

 

ويأتيك من لم تزوِّد بالأخبار()
 

ليكون كلامه مصوناً عن روي الشعر ووزن القوافي احتياطاً للقرآن وصيانة للوحي"(). ومهما تكن الأسباب التي دعت النبي- صلى الله عليه وسلم- لتغيير الكلمات وتبديلها، فإنها مؤشر على محاولته - صلى الله عليه وسلم- حل الشعر وفك نظمه ووزنه، وفي ذلك ما يغري بالتجرؤ على الأشعار وذكرها بالمعنى دون اللفظ، أو كتابتها بطريقة غير منظومة مع المحافظة على فكرتها، وهذه أول ثمرات الإسلام في قضية حل الشعر والتقليل من أهميته، وإلى جانب ذلك فإن القرآن الكريم قد أعطى حكماً فيه سلبية قيمية لكثير من الشعراء وشعرهم، فقال تعالى: )والشعراءُ يتبعهم الغاوون ألم ترَ أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون(()، وفي هذه الآية تقليل من أهمية الشعراء ونقد لأخلاقهم المتقلبة وشعرهم الذي يساير وينافق ويهيم في كل وادٍ، وفي كل مجال من مجالات الحياة، ثم إنهم لا يعبّرون عن أقوالهم بل هم أبواق تخرج أصواتاً ولا تطبق فهم كاذبون؛ لأن أقوالهم لا تطابق أفعالهم.

وإذا كان القرآن الكريم قد استثنى الشعراء الذين يعملون الصالحات في قوله: )إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات(()، فإن هذا الاستثناء ليس في صالح الشعراء، إذ جعلهم عرضة للحكم وجعل لهم مقاييس تحكمهم، ومن ثم نزل بهم من حيز القداسة والهيبة إلى كونهم بشراً فيهم الصالح، وفيهم غير ذلك، بل أكثرهم من النوع الأول، إذ كان الحكم على الشعراء عامة، والاستثناء للتخصيص. وجاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم-  قال: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً يريه خير له من أن يمتلئ شعراً)()، وذكر بعضهم أنه يعني الشعر الذي هجي به الرسول صلى الله عليه وسلم ، والشعر الذي فيه شتم أعراض المؤمنين والمؤمنات().

وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم-  في روايات أخرى قد استحسن الشعر، وشجع الشعراء، وقال: "إن من الشعر لحكمة، ويأمر حسان بن ثابت وغيره بهجاء أعدائه، ويرغّبهم فيه ويعدهم بعد ذلك من الله عز وجل الثواب"()، نقول: إذا كان ذلك قد حصل فإنه لا يمنع من أن الإسلام والقرآن الكريم قد قللا من أهمية الشعر والشعراء، وحكما عليهم أحكاماً تستند إلى قيم جديدة أرادها الإسلام ودعا إليها، فأصبح الشعراء عُرضة للنقد وسنداناً لمطرقة الناقدين ومسقطاً لمواقع نظرهم. "فلما بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم-  وأنزل عليه القرآن وشرع الشرائع والأحكام ودعا إلى دين الإسلام وظهرت كلمته وغلب الحق وأحوجت الأمم إلى قبوله والانقياد له والدخول إلى دين الإسلام زالت الضرورة عن العرب إلى الشعر وسقطت فضيلة
مرحبًا بك إلى حلول، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...