المسكوت عنه في رواية -عابر سرير- ميثاق مشترك بين صوت "الكاتبة" و"أصوات" شخصياتها. فهي الشخصيات- لا تتكلم- الا بعد أن يؤذن لها بالكلام، وعندما تقول هذه الشخصيات "الأصوات" الذي لا يقال (...) تغلق الكاتبة الباب أو تفتحه بمقدار، وتلغى جلسة (مسافات) الأعتراف وتحتفظ لنفسها بالسر، وقد تقيم جلسة أخرى مع شخصية أخرى في مشهد آخر، من يستدعي من؟ من يحاصر من؟ ثم انه- الصمت ميثاق للحفريات في "الذي يقال" كل المشاعر التي تستنجد بالبوح هي مشاعر نصف كاذبة. إن خدش حميمية الآخر لا تتأتى الا بالتعري الدميم للبوح. هذا كلام تعلمته منك في ذلك الزمن البعيد أيام كنت استجدي منك اعترافا بحبي فتجيب: "أي طبق شهي للبوح لا يخلو من توابل الرياء. وحده الصمت هو الشيء العاري الذي يخلو من الكذب" عابر سرير ص 192.
... يؤليمني انك مازلت لا تعي كم أنا جاهزة لأدفع مقابل لقاء معك. عيون زوجي مبثوثة في كل مكان... وأنا أجلس اليك في مقهى غير معنية ان مت بسببك في حادث حب. أنا التي لم أمت بعد، فلكوني عدلت عن الحب و تخليت عن الكتابة. الشبهتان اللتان لم يغفرهما لي زوجي. نفس المرجع ص 191.
"الصوت" الذي يتحدث في المقطع الأول هو صوت شهرزادي قبل أن تقع شخصيته (شخصيتها) في قبضة السياف (أو قبضة شهريار) الذي سيمارس عليها –اكراهاته- ويجعلها حبيسة في مدارات مجلس الأمن المؤسساتي (المؤسسة الزوجية) ومن ثم نراها تستعيد –شبق- الأزمنة المشتهاة المغلفة بالحب والجنون، علها تنجو من الموت البطيء. من أزمنة الموت السرمدي الى الحياة...
أما "الملفوظ" في المقطع الثاني فهو يؤكد عبر معجمه "اللغوي" كل تلك الاكراهات ويترجم في الآن ذاته حالة التشظي التي تعيشها (حياة) (شهرزاد) داخل قفصها "الذهبي" ويعكس بالتالي محاولة "الخروج" عن النواميس الإجتماعية وكذا الميثاق الزوجي بكل أبعاده الدينية والأخلاقية لاسيما ونحن نعلم معنى "الخروج" خاصة" الخروج عن الطاعة" أو "الخروج" بمعناه السياسي (أحيانا الثوري رغم بلانكيتة الميتافيزيقية) في بعض أشكاله ومضامينه وتجلياته. الخروج الثاني لا نصوص له سوى الكتابة بالدم، سوى الموت والأستشهاد (راجعوا أخبار الخوارج والتوابين الزنج والقرامطة).. ومن هنا تخرج (شهرزاد) سواء تلك التي نستحضرها عبر المتخيل العربي/الأسلامي أو التي تعيش بين ظهرانينا و تمارس هو يتها المصادرة " تخرج" و يكون –خروجها- صرخة في وجه النص المؤسساتي ورفضا عنيدا لكل أشكال الوصاية. ومن هنا كذلك يتحول القارئ- عبر عملية القراءة المنشطة- إلى (شهريار) بدوره، يتابع سيرة الأنثى المتمردة-من خلال-"محضر" يسجل المخالفة، لأن الميثاق الأجتماعي/الثقافي يرفض هذا "الجنوح الأنثوي" ولهذا السبب ربما قالت (حياة) (شهرزاد) في صورتها الأخرى " عيون زوجي مبثوثة في كل مكان" ص 191 نفس المرجع- أفضل ألا نلتقي في فندقي بل في مكان آخر اختره أنت، على ألا يكون فيه طبعا جزائريين ص 201 المرجع نفسه.. غير أن "صوت" المرأة ليس وحده الذي يعبر إلى تضاعيف الرواية "عابر سرير" و/أو يمارس سلطة "القول" سلطة "الكلام" ان صوت "الرجل" بدوره يعبر الى مواثيق الخطاب ويتخذ كذلك نبرة الأحتجاج لاسيما عندما نقابل صوتا مع صوت آخر، عندما نضع ملفوظا ما ضد الملفوظ .. وكنت تزوجت امرأة لتقوم بالأشغال المنزلية داخلي، لتكنس ما خلفت النساء الأخريات من دمار في حياتي، مستنجدا بالزواج الوقائي عساه يضع متاريس تجنبني انزلاقات الحياة، وإذ في ذلك الزواج اغتيال للحياة. ذلك أن ثمة من يبتزك بدون أن يقول لك شيئا، ذلك الابتزاز الصامت للضعفاء الذي يجيز له التصرف بحياتك مذ وقعت في قبضته بحكم ورقة ثبوتية ... عابر سرير ص 179 .
يشيد هذا المقطع تقابلات أساسية مع غالبية المقاطع والأحداث التي تضمها رواية "عابر سرير" بين دفتيها. التقابلات المفترضة تجعلنا نراهن على خصوصية ما في الميتافيزيقية بين الرجل والمرأة، مما يترتب عن ذلك سقوط التعارض الصوتي بالمعنى الباختيني ومن ثم تتكامل الأصوات لتؤسس من جهتها استعارة انطولوجيا موحدة رغم تصدعها، أنطولوجيا الإقصاء المشترك الذي تعيشه المرأة بموازاة الرجل قريبين على بعد، بعيدين على قرب.
لكي تتحقق هذه الاسعارة الدفينة تستقطب رواية "عابر سرير" امكانات اللغة الإيديولوجية (بالمعنى الباختيني دائما) وهو الأفق الذي يجعل لغة الرواية سجالية مع الذات والواقع والمجتمع من حيث استلهام الموضوعات (التيمات) وسجالية في ذات الآن مع النصوص الأخرى (أكاد أقول مطلق النصوص) بما في ذلك النصوص التشريعية والفقهية. إن ما تخلقه –أحلام مستغاتمي- بهذا هو خطاب المحاكمة والاعتراض والرد، وتحفز ذلك بدفع الآخر إلى أن "يتكلم": نوع من الاستفزاز الدفين الذي يجعل كل الشهرزادات غير متشابهات وكل الشهريارات – الشهريارين بلاغة ونحوا- غير متشابهين ومتشابهين .
إن الكتابة لدى- أحلام مستغانمي- من هذا المنظور- كتابة اشكالية لأنها لا تقف عند حدود الوعي المسبق في تصور وضع "المرأة" كواقع أمر أو كأمر واقع، إنما تسعى إلى أن تظل كتابة شذرية أساسها إلغاء المسافات بين التسجيلي والواقعي والتشكيلي. ومن هنا تنهض في كتابات -أحلام مستغانمي- تلك النبرة الفاجعة التي شنتها تجربتها عبر "ذاكرة الجسد" و"فوضى الحواس" نبرة التمزق والتشظي وتفتت الهوية الميتافيزيقية. ومن هنا ثانية تتحول هذه الكتابات إلى مختبر يحاول أن يستضيف في كونه المغلق قلق الأسئلة النصية والتجريب، التحميض، التركيب والتمويل.
إنها كتابة قلقة وقلق "المكتوب" وبين هذه وتلك تستمر الإبداعات في التوالد والإشعاع يجمعها أفق واحد ووحيد. وعلى من يقرأ (أحلام مستغانمي) أن يتركها جانبا ليدركها أكثر حيث هي، وحيث لا توجد إلا كحورية تتهددنا بالومض والإنتشاء رغم نغمة الإنكسار والهزيمة. قدرنا المشترك..
أحلام مستغانمي: خريجة كلية الآدب في الجزائر ليسانس أدب عربي.حاصلة سنة 1982 على دكتوراه في علم الإجتماع من جامعة السربون في باريس بدرجة "ممتاز" تحت إشراف المستشرق الراحل جاك بيرك.
ترجمت أعمالها إلى اللغات الكردية و الفرنسية و الإيطالية و الصينية و الإنكليزية.
حائزة على جائزة نجيب محفوظ للرواية سنة 1998.
"عابر سرير" هو الجزء الثالث من ثلاثيتها:"ذاكرة الجسد" و"فوضى الحواس"