عاد قدور من عمله في الحقل وقد بدأت الشمس تميل إلى الغروب، فهو على موعد في الحظيرات التي تتوسطها خيمته؛ مع قطعان النعاج والخراف والأبقار التي تعود من المرعى؛ بعد أن تقضي يومها الشاتي أو القائظ في رعاية أطفال وطفلات وشباب وهبوا حياتهم للرعي، واستمرؤوا عيشهم البائس مع خرافهم وأبقارهم وكلابهم، وقد اتخذوا منها زملاء أو أصدقاء يرعونها و يحنون عليها، ويقاسمونها الحر اللافح والبرد القارس والمطر المنهمر والشمس الساطعة والجذب المقفر والكلأ الطافح.
قدور يحرص على أن يكون في الحظيرة ساعة رواح الماشية، رغم أنه كان يطمئن إلى فاطنة ويقدر كفاءتها لاستقبال الأبقار والشياه وإعداد الحظائر، والاهتمام بحلب ما يحلب منها، ولكنه يفضل أن يكون هناك؛ وفي أيام الربيع على الأخص، ليستقبل وليدا جديدا أو ليطمئن على أنها عادت سليمة من رحلتها اليومية، وليتلقى « تقارير » الرعاة عن أحداث اليوم: أحداث بسيطة تافهة في كثير من الأحيان، ولكنها كل حياة الرعاة وبعض حياةالفلاحين.
وطرق قدور باب الخيمة ليجد فاطنة تجلس جلستها التقليدية، وقد احتضنت بين فخديها قصعة تفتل فيها الكسكس لعشاء الضيوف من عائلة الحاج محمد صاحب الأرض. كانت تمارس الفتل في إجهاد وسرعة وإتقان، فهي تعرف قيمة الكسكس الطري حينما تقدمه کعشاء للعائلة الضيفة، فهذه الوجبة أحد أطايب الأكل عند الحضري حينما يأكلها من صنع البدوية وطهيها.
وجلس قدور يستعرض ذكريات اليوم مع فاطنة في انتظار عودة القطعان، ولم يكن لهما من حديث جديد غير حياة العائلة الضيفة في المنزل والحقل، في جولاتها بين الحقول ورحلتها الممتعة إلى العين، وركوب السيدات على الحمير والبغال، وإعجاب الأولاد بالدجاج والخراف، ورغبة النساء في جرعات اللبن الحامض والفطائر المدهونة بالزبدة الطرية.
وكان للبدو في حياة العائلة الفاسية كثير من التسلية، وكثير من الغرابة التي تثير الاستغراب كما تثير الضحك والاستهزاء في كثير من الأحيان. ووجود هذه العائلة الآتية من فاس في الضيعة كان يغير من حياة البدو الرتيبة ويدخل عليها جدة وطرافة، وكان قدور وفاطنة يجدان فيها موضوعا للحديث الطريف يخرجهما من رتابة الحديث عن الحقول والأبقار والسوق.
عبد الكريم غلاب
دفنا الماضي (بتصرف)
أولا: تأطير النص:
1-صاحب النص: هو الكاتب والمؤرخ والروائي والأديب والصحفي المغربي عبد الكريم غلاب، المزداد سنة 1920بمدينة فاس، تلقى تعليمه الأول في المدارس الحرة ثم في كلية القرويين ليلتحق بعد ذلك بكلية الآداب بجامعة القاهرة سنة 1940 و تخرج منها سنة 1944 ( قسم اللغة العربية).
بدأ ينشر محاولاته في الكتابة عام 1936، حيث نشر أول مقال له في مجلة "الرسالة" القاهرية. وواصل في مختلف الميادين الأدبية و الثقافية منذ سنة 1947.
ألف أكثر من 75 كتابا في الرواية والقصة والأدب والسياسة والفقه الدستوري وتاريخ المغرب. وفاز بجائزة المغرب للكتاب في الآداب ثلاث مرات عن رواياته:
- دفنا الماضي سنة 1968
- المعلم علي سنة 1974
- شروخ في المرايا سنة 1994
2- مصدر النص: نص "عودة القطعان" مأخوذ رواية "دفنا الماضي"
3- نوعية النص: نص سردي يندرج ضمن المجال الاجتماعي والاقتصادي..
ثانيا: ملاحظة النص:
1- تحليل العنوان:
أ- تركيبيا: مركب إضافي من مضاف ومضاف إليه.
ب- دلاليا: يحيل العنوان على فترة المساء التي تعود فيها قطعان الماشية من المراعي إلى القرية، مما يحيل على كون أحداث النص مرتبطة بالبادية.
2- التعليق على الصورة: الصورتان عبارة عن صور فوتوغرافية لمجموعة من الأنشطة المرتبطة بالبادية، حيث يظهر في الصورة الأولى قطيع من الغنم، فيي حين تظهر في الصورة الثانية امرأة بدوية وهي تقوم بحلب بقرة.
3- العلاقة بين العنوان والصورة: علاقة توضيحية، حيث توضح الصور كيفية استقبال القطعان بعد عودتها من المرعى حيث يتم إدخالها إلى الحظيرة ثم حلب ما يمكن حلبه منها.
4- فرضيات النص: من خلال تحليل العتبات نفترض أن النص:
- سيصف البادية.
- سيبين الأنشطة التي يزاولها البدويون.
- سيبين أهمية القطعان في حياة البدوي.
ثالثا: فهم النص:
1- الشروح اللغوية:
- الشاتي: الممطر.
- القائظ: شديد الحرارة.
- استمرؤوا: تقبلوا.
- اللافح: الحارق.
- الجذب: الجفاف.
- الرتيبة: المتكررة التي لا جديد فيها.
2- الحدث الرئيس: وصف السارد لنشاطات قدور اليومية، واستعداده وزوجته لاستقبال عائلة حضرية.
الفقرات | المضامين |
من بداية النص إلى الفلاحين | عودة قدور من الحقل لاستقبال الماشية التي قضت يومها في المرعى رفقة الأطفال. |
من وطرق إلى وطهيها | استعدادات فاطنة لإكرام ضيوفها من عائلة صاحب الأرض. |
من وجلس إلى آخر النص | تسلية العائلة البدوية بتصرفات الحضريين المثيرة للاستغراب والسخرية. |
ثالثا: تحليل نص عودة القطعان (الأولى إعدادي):
1- الشخصيات وصفاتها:
الشخصية | صفاتها |
قدور | بدوي - مهتم بقطعانه - |
فاطنة | بدوية - مكرمة لضيوفها. |
العائلة الفاسية | حضرية - مستمتعة بالبادية |
التعليق على الجدول:
نلاحظ أن الشخصيات تنتمي إلى مجالين مختلفين، هو المجال الحضري والمجال القروي، وبسبب الاختلاف بين المجالين كانت الأسرة البدوية تنظر بغرابة إلى تصرفات العائلة الحضرية في البادية.
2- زمكانية النص:
الفضاء الزماني | الفضاء المكاني |
بداية الغروب | الحظيرة-الخيمة - الحقل- المرعى |
التعليق:
نلاحظ أن الزمن عام، بينما ارتبطت كل الأماكن بالقرية.
3- قيم النص:
قيمة اقتصادية: التكامل الاقتصادي بين القرية والمدينة.