تسمية سورة البلد بهذا الاسم
إشارة لمكة المكرمة، البلد التي كان يسكن بها سيدنا محمد «عليه أفضل الصلاة والسلام»، بقول الله «عز وجل»: “لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ*وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ”، وذلك تكريمًا وتعزيزًا لسيدنا محمد، فأي مكان يذهب إليه يزداد شرفًا ومكانًة، وفي نهاية السورة، وضّح الله «عز وجل» الفرق بين حال المسلمين والكافرين في الآخرة.
يمكن التعرف على معلومات عن سبب نزول سورة يوسف وسبب تسميتها بهذا الاسم وفضل قراءتها أضغط هنا: سبب نزول سورة يوسف وسبب تسميتها بهذا الاسم وفضل قراءتها
سبب نزول سورة البلد
يكون لسبب نزول سورة البلد عدة أسباب، ويكون أول هذه الأسباب هو تذكُر البشر بأحداث يوم القيامة وتهويله، وما سوف يحدث في هذا اليوم من صِعاب، الذي لا يمكن أن يجتازه أي إنسان سوى بالعمل النافع، فسوف يخرج الأموات من قبورهم، وانتشارهم كالحشرات المتطايرة، كما وضحت سورة البلد الاختلاف بين المسلمين والكافرين، وكيفية حال المسلمين والكافرين يوم القيامة، ومن أسباب نزول سورة البلد، غرور الكفار وآبائهم للحق، قال الله «عز وجل » : “أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ”، وكان سبب نزول هذه الآية هو أبي الأشد بن كلدة الجمحي، كان أبي الأشد مغرورًا بقوته ويعاند الحق، فكان كثيرًا ما يقول إنه ينفق الكثير من المال في عداوة سيدنا محمد «عليه أفضل الصلاة والسلام» وكان هذا كذبًا.
قال الله «سبحانه وتعالى» : “يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا”، وكان سبب نزول هذه الآية هو الحارث بن عامر بن نوفل، عندما أذنب الحارث وذهب إلى سيدنا محمد يقول له، فقال له سيدنا محمد بأن يُكَفر عن ذنبه، فقال الحارث : أن جميع امواله نُفِقت في الكفّارات منذ دخوله في دين سيدنا محمد كمان يبين الله «عز وجل»، أن إيذاء سيدنا محمد من الكبائر.
فضل سورة البلد
تقع سورة البلد في الجزء ال 30، و تختلف سورة البلد عن غيرها عن باقي السور، تكون قراءة كل حرف منها بعشر حسنات، فينال المسلم بقراءتها ثواب عظيم، فالقرآن كله ثواب عظيم أجر للمؤمن في دنياه وآخرته، لهذا السبب اوصى سيدنا محمد «عليه أفضل الصلاة والسلام»، بالمواظبة على قراءة القرآن الكريم وتلاوته، وعدم هجره، ولكن هناك تخصيص قراءة سورة البلد من حيث ثوابها، وأجرها العظيم، و ترفع مكانة العبد عن الله «سبحانه وتعالى»، ويكون من الصالحين ويُرافقهم، ويقوم الله «سبحانه وتعالى» بمناجاته من العقبة ( جبل من جبال جهنم)، قال الله «عز وجل» : “فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ”.
فمن أهم فضائل سورة البلد، الثبات والتركيز على الإيمان، والتميز بين الإثم والخير.
تفسير سورة البلد
أقسَم الله «عز وجل» بالبلد، ويُقصد بالبلد ( مكة المكرمة )، فهي أعظم بلد ، خصوصًا منذ حلول سيدنا محمد بها “وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ” أي آدم وحواء.
“لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ” يقصد به الله «سبحانه وتعالى»، بما يمر به الانسان من صِعاب في دنيته، ويجب عمل صالحات وأعمال تساعده على هذه الصعاب، وتأتى له بالسعادة والبهجة، فعندما لا يفعل ذلك، يستمر في مكابدة العذاب.
وهناك معنى آخر أن الله «سبحانه وتعالى » جعل الإنسان في أحسن تقويم وأكمل صورة وأعطاه العديد من النعم والمميزات التي تميزه عن سائر خلقة، ولكن الإنسان لم يشكر الله علي أي من هذه النعم وتكبر علي خلق الله ودخل في قلبه الكبر وظن أن هذا سيبقى إلى الأبد، ولن يكون هناك احد له سلطان عليه غير نفسه فقال «سبحانه و تعالي» : “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.
والإنسان يظل مستمر في تكبره علي نعم الله ويفتخر بما يرتكب ويفعل من معصية وكِبر ينفق كثيرًا من أمواله على ملذاته وشهواته كما في قوله تعالى “يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا” .
كما حذر الله «عز وجل » عن الإنفاق في الشهوات والمعاصي لأنه انفاق لا ينفع ولا يعود علي صاحبه من هذا الإنفاق إلا الضرر والخسارة، وليس المنفق في المعصية كما الذي أنفق في اتجاه يرى به الله، وفي سبيل الصلاح فهذه تجارة مع الله «عز وجل»، كما أنها تعود بالنفع والخير والبركات على صاحبها أضعاف عمله.
ويُهدد الله عز وجل المنافقين في معاصيهم فقال تعالى: “أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ “.
أيحسب الإنسان أن الله غافل في ما يفعله، وأن طغيانه في المعاصي لم يعلمها الله، بل أن الله يعلم كل شيء ويحفظه فوكل الله ملكين يسجلان كل اعمالنا التي نفعلها كل لحظة، سواء خير أو شر فهو مُسجل ومحفوظ ليوم الحساب.
وذكر الله «سبحانه و تعالى» نعمة التي أنعمها علي الإنسان فقال تعالى : “أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ” مثل البصر والكلام وهذه النعم، فهي من النعم التي انعمها علينا ربنا في الدنيا، كما عرفه الله ايضًا وأنعم عليه بمعرفة طريقي الخير والاثم ليوضح الهلاك من الصُلح وليخرج الانسان من الظلمات إلى النور في قوله : “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن” فبعد كل هذه النعم لا تشكر الله !وتنتفع بنعمته في الخير بدلًا من المعاصي!
ويضرب الله مثلاً للإنسان العاصي الغارق في شهواته مثال للإنسان الصالح المجاهد في سبيل كسب رضا الله ففي قوله تعالى “فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ “، أي ان الإنسان النافع لم يستمر في معاصيه وشهواته فهي عقبة وطريق خاطئ ولكن فك رقبة اسير مسلم من الكفار انفع الي الله، في قولة ” فَكُّ رَقَبَةٍ “.
ويضرب الله تعالى ايضًا بعض الأمثال التي يجب على الإنسان أن يفعلها بدلًا من الاستمرار في المعاصي والذنوب كما قال الله «سبحانه وتعالى» : “أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ” بمعنى إطعام الناس الذين هم في أكثر حاجة للطعام و المَسْغَبَةٍ يوم المجاعة.
“يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ “، واخص الله اليتيم القريب أنه أولى بالمعروف، والفقير المعدم الذي لصق جسمه من التراب من كثرة احتياجه وشدة فقرة في قوله : “أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ “.
“ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا” بمعني انهم امنوا بالله وتعلقت قلوبهم بالعمل الصالح وخشعت لجلال وجهه الكريم “وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” وصبروا علي البلاء وتحملوا الصعاب ورجعوا الي الله “وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ” واعطوا المحتاج وانفقوا علي اليتيم وعالجوا المريض وانفقوا ف سبيل الله بأنفس مطمئنة “أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ” هم اصحاب الطريق الصحيح طريق الخير والرشد، وهم من يسعدون ف الدنيا، وتنتظرهم الجنة ف الاخرة، لانهم فعلوا ما أمروا من الله عز وجل، وتركوا معاصيهم، ولم ينجرفوا وراء شهواتهم ومعاصيهم.
“وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا” اما الكافرين بأوامر الله واتبعوا شهواتهم وانجرفوا وراء المعاصي ولا امنوا بالله “والذين كفروا بآياتنا همْ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَة عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ” سيلقون النار والعذاب وابواب النار ستغلق عليهم ولن تفتح ابوابها حتى يلقون العذاب ويشعرون بالضيق والهم مثلما تركوا من يحتاجون العطاء بشدة.
يمكن التعرف على معلومات عن سبب نزول سورة الجمعة وسبب تسمية سورة الجمعة بهذا الإسم أضغط هنا: سبب نزول سورة الجمعة وسبب تسمية سورة الجمعة بهذا الإسم
من أهم مقاصد سورة البلد
إن المقصد الأصلي الذي نزلت له السورة واضح جدًا، لكنه لا يُذكر كثيرًا، فيذكر الله «عز وجل» في سورة البلد أنواع الأغنياء المنفقين في سبيل الله والأغنياء الذين يفتخرون بأموالهم ولا ينفقون منها في سبيل كما أمرنا الله «سبحانه وتعالى»، وجاءت سورة البلد إلى سيدنا محمد «عليه أفضل الصلاة والسلام» بخبر فتحه لمكة المكرمة، وهي البلد المقصودة في هذه السورة.
تُنذر سورة البلد الأغنياء، الذين يعتقدون أن أموالهم لن تُجلِب العذاب لهم، حيث يتباهى الأغنياء بأموالهم، التي رزقهم الله «سبحانه وتعالى» بهذا المال الكثير، وبرغم هذا لا ينفقون أموالهم في سبيل الله بل ينفقون أموالهم في كل ما يحرمه الله «عز و جل» ويغضبه، فسوف يفرق الله «سبحانه وتعالى» في الآخرة بينهم ويُريهم السعادة من الشقاء.
أخيرًا يجب على كل مسلم أن ينفق من أمواله في سبيل الله وليس في المعاصي، وأن لا يفتخر بماله الذي وهبه الله له؛ لينال أجر عظيم عن الله «سبحانه وتعالى»، ولا ينال الشقاء في الآخرة